السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3276 [ ص: 608 ] باب ترك تمني لقاء العدو، والصبر إذا لقوا

وقال النووي : ( باب كراهة تمني لقاء العدو، والأمر بالصبر عند اللقاء)

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم النووي ص 46 - 47 جـ 12 المطبعة المصرية

[ عن أبي النضر عن كتاب رجل من أسلم ، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: عبد الله بن أبي أوفى . فكتب إلى عمر بن عبيد الله ، حين سار إلى الحرورية ، يخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان، في بعض أيامه التي لقي فيها العدو: ينتظر حتى إذا مالت الشمس، قام فيهم فقال: يا أيها الناس! لا تتمنوا لقاء العدو . واسألوا الله العافية. فإذا لقيتموهم فاصبروا. واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" . ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب ، وهازم الأحزاب: اهزمهم، وانصرنا عليهم " .


(الشرح)

(عن أبي النضر، عن كتاب رجل من أسلم، من أصحاب النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم، يقال له: عبد الله بن أبي أوفى) .

قال الدارقطني : هذا حديث صحيح. قال: واتفاق البخاري ومسلم على روايته: حجة في جواز العمل بالمكاتبة، والإجازة. وقد جوزوا العمل بهما. وبه قال جماهير العلماء من أهل الحديث، والأصول، [ ص: 609 ] والفقه. ومنعت طائفة الرواية بها. قال النووي : وهذا غلط. والله أعلم.

(فكتب إلى عمر بن عبيد الله، حين ساروا إلى الحرورية يخبره: أن رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم كان في بعض أيامه التي لقي فيها العدو ينتظر حتى إذا مالت الشمس، قام فيهم) .

وقد جاء في غير هذا الحديث: " أنه صلى الله عليه وآله وسلم، كان إذا لم يقاتل أول النهار: انتظر حتى تزول الشمس " قال أهل العلم: سببه: أنه أمكن للقتال. فإنه وقت هبوب الريح ونشاط النفوس. وكلما طال ازدادوا نشاطا وإقداما على عدوهم.

وقد جاء في صحيح البخاري: " أخر حتى تهب الأرواح، وتحضر الصلاة"، قالوا: وسببه: فضيلة أوقات الصلوات، والدعاء عندها. والله أعلم.

(فقال: يا أيها الناس ! لا تتمنوا لقاء العدو) .

وقال النووي : إنما نهى عن تمني لقاء العدو، لما فيه من صورة الإعجاب والاتكال على النفس، والوثوق بالقوة. وهو نوع بغي. وقد ضمن الله تعالى لمن بغى عليه: أن ينصره. ولأنه يتضمن قلة الاهتمام بالعدو، واحتقاره. وهذا يخالف الاحتياط والحزم.

وتأوله بعضهم: على النهي عن التمني في صورة خاصة. وهي إذا [ ص: 610 ] شك في المصلحة فيه، وحصول ضرر. وإلا فالقتال كله فضيلة وطاعة. والصحيح: الأول. ولهذا تممه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: " واسألوا الله العافية".

وقد كثرت الأحاديث في الأمر بسؤال العافية. وهي من الألفاظ العامة، المتناولة لدفع جميع المكروهات، في البدن والباطن، في الدين والدنيا والآخرة. اللهم ! إني أسألك العافية العامة التامة، لي ولأخلافي، ولجميع المسلمين. (فإذا لقيتم فاصبروا) .

فيه: حث على الصبر في القتال. وهو آكد أركانه.

وقد جمع الله " سبحانه"، آداب القتال، في قوله: يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون . وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين . ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط .

(واعلموا: أن الجنة تحت ظلال السيوف) . أي: ثواب الله، والسبب الموصل إلى الجنة: عند الضرب بالسيوف في سبيل الله، ومشي المجاهدين في سبيل الله. فاحضروا فيه بصدق، واثبتوا.

[ ص: 611 ] (ثم قام النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم وقال: " اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب ! اهزمهم، وزلزلهم، وانصرنا عليهم ") .

فيه: استحباب الدعاء عند اللقاء، والاستنصار.

التالي السابق


الخدمات العلمية