السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3295 [ ص: 649 ] باب إعطاء القاتل سلب المقتول

وقال النووي : ( باب استحقاق القاتل سلب القتيل) .

وقال في المنتقى: (باب أن السلب للقاتل، وأنه غير مخموس) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 57 - 61 جـ 12 المطبعة المصرية

[ وحدثنا أبو الطاهر ، وحرملة (واللفظ له)، أخبرنا عبد الله بن وهب ، قال: سمعت مالك بن أنس يقول: حدثني يحيى بن سعيد ، عن عمر بن كثير بن أفلح ، عن أبي محمد (مولى أبي قتادة )، عن أبي قتادة ؛ قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين . فلما التقينا، كانت للمسلمين جولة . قال: فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين . فاستدرت إليه، حتى أتيته من ورائه، فضربته على حبل عاتقه . وأقبل علي فضمني ضمة، وجدت منها ريح الموت . ثم أدركه الموت، فأرسلني . فلحقت عمر بن الخطاب ، فقال: ما للناس؟ فقلت: أمر الله. ثم إن الناس رجعوا . وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : "من قتل قتيلا، له عليه بينة: فله سلبه" . قال: فقمت، فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست. ثم قال مثل ذلك. فقال: فقمت، فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست . ثم قال ذلك، الثالثة. فقمت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما لك يا أبا قتادة ! " فقصصت عليه القصة . فقال رجل من القوم: صدق، يا رسول الله! سلب ذلك [ ص: 650 ] القتيل عندي. فأرضه من حقه. وقال أبو بكر الصديق : لا ها الله! إذا، لا يعمد إلى أسد من أسد الله، يقاتل عن الله وعن رسوله، فيعطيك سلبه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صدق. فأعطه إياه" فأعطاني. قال: فبعت الدرع، فابتعت به مخرفا في بني سلمة ، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام ] .

وفي حديث الليث ؛ فقال أبو بكر : كلا، لا يعطيه أضيبع من قريش ، ويدع أسدا من أسد الله

وفي حديث الليث لأول مال تأثلته ] .
(الشرح)

(عن أبي قتادة) رضي الله عنه: (قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم عام حنين. فلما التقينا، كانت للمسلمين جولة) بفتح الجيم وسكون الواو. أي: حركة، فيها اختلاط. وهذه الجولة كانت قبل الهزيمة.

وقال النووي : "جولة"، أي انهزام وخيفة، ذهبوا فيها. وهذا إنما كان في بعض الجيش. وأما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وطائفة معه: فلم يولوا، والأحاديث الصحيحة بذلك مشهورة. وقد نقلوا إجماع المسلمين، على أنه لا يجوز أن يقال: انهزم النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ولم يرو أحد قط: أنه انهزم بنفسه صلى الله عليه [ ص: 651 ] وآله وسلم، في موطن من المواطن. بل ثبتت الأحاديث الصحيحة بإقدامه وثباته، صلى الله عليه وآله وسلم، في جميع المواطن. انتهى.

(قال: فرأيت رجلا من المشركين، قد علا رجلا من المسلمين) . يعني: ظهر عليه، وأشرف على قتله. أو صرعه، وجلس عليه لقتله.

قال الحافظ في الفتح: لم أقف على اسميهما.

(فاستدرت إليه، حتى أتيته من ورائه، فضربته على حبل عاتقه) هو ما بين العنق والكتف.

قال في النيل: " حبل العاتق ": عصبه. " والعاتق ": موضع الرداء من المنكب.

(وأقبل علي فضمني ضمة، وجدت منها ريح الموت) أي: شدة كشدة الموت. أو قاربت الموت. وأشعر ذلك: بأن هذا المشرك، كان شديد القوة جدا.

(ثم أدركه الموت فأرسلني) أي: أطلقني.

(فلحقت عمر بن الخطاب)، رضي الله عنه .

في السياق: حذف تبينه الرواية الأخرى، من حديثه في البخاري وغيره، بلفظ: "ثم قتلته. وانهزم المسلمون، وانهزمت معهم، [ ص: 652 ] فإذا بعمر بن الخطاب إلخ ". فقال: ما للناس ؟ فقلت: أمر الله عز وجل) أي: حكم الله وما قضى به.

(ثم إن الناس رجعوا، وجلس رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم، فقال: " من قتل قتيلا له عليه بينة، فله سلبه ") .

" السلب " بفتح السين واللام، بعدها موحدة: هو ما يوجد مع المحارب، من ملبوس وغيره، عند الجمهور.

وعن أحمد: لا تدخل فيه الدابة.

وعن الشافعي: يختص بأداة الحرب.

وقد اختلف أهل العلم، في معنى هذا الحديث؛ فقال الشافعي ، ومالك، والأوزاعي، والثوري، والليث، وأبو ثور؛ وأحمد، وإسحاق، وابن جرير، وغيرهم: يستحق القاتل سلب القتيل؛ في جميع الحروب. سواء قال أمير الجيش قبل ذلك: من قتل قتيلا فله سلبه، أم لم يقل ذلك. قالوا: وهذه فتوى من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإخبار عن حكم الشرع، فلا يتوقف على قول أحد.

وقال أبو حنيفة، والمالكية: لا يستحق القاتل بمجرد القتل سلب القتيل. بل هو لجميع الغانمين، كسائر الغنيمة. إلا أن يقول الأمير قبل القتال: " من قتل قتيلا فله سلبه ". وحملوا الحديث على هذا. وجعلوا هذا إطلاقا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وليس بفتوى. وإخبار عام.

[ ص: 653 ] قال النووي : وهذا الذي قالوه ضعيف. لأنه صرح في هذا الحديث: بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال هذا، بعد الفراغ من القتال، واجتماع الغنائم. والله أعلم. ثم إن الشافعي، يشترط في استحقاقه: أن يتفرد بنفسه، في قتل كافر ممتنع في حال القتال. والأصح. أن القاتل لو كان ممن له رضخ ولا سهم له، كالمرأة والصبي والعبد: استحق السلب.

وقال مالك: لا يستحقه إلا المقاتل.

وقال الأوزاعي، والشاميون: لا يستحق السلب، إلا في قتيل قتله قبل التحام الحرب. فأما من قتل في التحام الحرب، فلا يستحقه.

واختلفوا في تخميس السلب.

والصحيح عند الشافعية: لا يخمس. وهو ظاهر الأحاديث.

وبه قال أحمد، وابن جرير، وابن المنذر، وآخرون.

وقال مكحول، ومالك، والأوزاعي: يخمس.

وقال عمر بن الخطاب، وإسحاق، وابن راهويه: يخمس، إذا كثر.

[ ص: 654 ] واختار إسماعيل القاضي: أن الإمام بالخيار؛ إن شاء خمسه، وإلا فلا.

واحتج القائلون بتخميس السلب: بعموم قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه الآية) فإنه لم يستثن شيئا.

واستدل من قال: " إنه لا خمس فيه ": بحديث عوف بن مالك، وخالد، وحديث الباب. وجعلوها مخصصة لعموم الآية. وهو الصواب.

وفي قوله: " له عليه بينة، فله سلبه ": تصريح بالدلالة لمذهب الشافعي، والليث، ومن وافقهما من المالكية وغيرهم: أن السلب، لا يعطى إلا لمن له بينة بأنه قتله، ولا يقبل قوله بغير بينة.

وقال مالك، والأوزاعي: يعطى بقوله بلا بينة. لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه السلب في هذا الحديث، بقول واحد، ولم يحلفه.

والجواب: أن هذا محمول على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم أنه القاتل، بطريق من الطرق. وقد صرح بالبينة، فلا تلغى.

وقد يقول المالكي: هذا مفهوم، وليس هو بحجة عنده. ويجاب بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى " الحديث.

فهذا الذي تقدم، هو المعتمد في دليل الشافعي. وأما ما يحتج به بعضهم: أن أبا قتادة، إنما يستحق السلب بإقرار من هو في يده، [ ص: 655 ] فضعيف. لأن الإقرار إنما ينفع، إذا كان المال منسوبا إلى من هو في يده؛ فيؤخذ بإقراره. والمال هنا منسوب إلى جميع الجيش، ولا يقبل إقرار بعضهم على الباقين. والله أعلم.

(قال: فقمت، فقلت: من يشهد لي ؟ ثم جلست. ثم قال مثل ذلك. قال: فقمت، من يشهد لي ؟ ثم جلست. ثم قال ذلك، الثالثة. قال: فقمت، فقال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: " ما لك ؟ يا أبا قتادة ! فقصصت عليه القصة. فقال رجل من القوم: صدق، يا رسول الله ! " سلب ذلك القتيل عندي. فأرضه من حقه. فقال أبو بكر الصديق) رضي الله عنه: (لاها الله ! إذا) هكذا هو في جميع روايات المحدثين وغيرهم: "لاها الله إذا " بالألف وأنكر الخطابي هذا، وأهل العربية وقالوا: هو تغيير من الرواة. وصوابه: "لاها الله ذا " بغير ألف في أوله. قالوا: "وها " معنى الواو التي يقسم بها. فكأنه قال: " لا والله ! ذا ".

قال المازري: معناه: "لاها الله ذا يميني " أو ذا قسمي.

وقال أبو زيد: "ذا" زائدة. وفي "ها"، لغتان: المد، والقصر.

[ ص: 656 ] قالوا: ويلزم الجر بعد " ها " كما يلزم بعد الواو. قالوا: ولا يجوز الجمع بينهما. فلا يقال: "لاها والله ".

وقد أطال في النيل، في تحقيق هذه اللفظة، إلى ورقة. ثم قال: إن الراجح: أن "إذا " الواقعة في حديث الباب وما شابهها: حرف جواب وجزاء. والتقدير: "لا والله ! حينئذ ".

ثم أراد بيان السبب في ذلك، فقال: (لا يعمد إلى أسد من أسد الله) . أي: لا يقصد رسول الله، إلى رجل كأنه أسد في الشجاعة. وضبطوه بالياء والنون. وكذا قوله بعده " فيعطيك " بالياء والنون. قال النووي : وكلاهما ظاهر.

(يقاتل عن الله وعن رسوله صلى الله عليه) وآله (وسلم) . أي: يقاتل في سبيل الله، نصرة لدين الله وشريعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولتكون كلمة الله هي العليا.

(فيعطيك سلبه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: صدق) .

وفي هذا الحديث: فضيلة ظاهرة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، في إفتائه بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واستدلاله لذلك، وتصديق النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك.

وفيه: منقبة ظاهرة لأبي قتادة. فإنه سماه: أسدا من أسد الله تعالى، [ ص: 657 ] يقاتل عن الله ورسوله، وصدقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذه منقبة جليلة من مناقبه.

وفيه: أن السلب للقاتل، لأنه أضافه إليه، باعتبار أنه ملكه. فقال: " يعطيك سلبه ". والله أعلم.

(فأعطه إياه. فأعطاني. قال: فبعت الدرع فابتعت به مخرفا، في بني سلمة) بكسر اللام. وهم بطن من الأنصار، من قوم أبي قتادة.

" والمخرف"، بفتح الميم والراء. وهذا هو المشهور. وقال عياض : رويناه: بفتح الميم وكسر الراء. كالمسجد والمسكن، بكسر الكاف.

والمراد " بالمخرف " هنا: البستان.

وقيل: السكة من النخل، تكون صفين. يخرف من أيها شاء. أي: يجتني. وقال ابن وهب: هي الجنينة الصغيرة. وقال غيره: هي نخلات يسيرة.

وأما " المخرف"، بكسر الميم وفتح الراء، فهو الوعاء الذي يجعل فيه ما يجتنى من الثمار.

ويقال: " اخترف الثمر ": إذا جناه، وهو ثمر مخروف.

ذكر الواقدي: أن الذي اشتراه منه: " حاطب بن أبي بلتعة.

وأن الثمن كان سبع أواق.

(فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام) . هو بالثاء بعد الألف. أي اقتنيته وتأصلته. وأثلة الشيء: أصله.

[ ص: 658 ] تم بحمد الله " الجزء السادس " ويليه الجزء السابع إن شاء الله، وأوله باب (إعطاء السلب بعض القاتلين بالاجتهاد) .

التالي السابق


الخدمات العلمية