السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3297 باب منع القاتل السلب بالاجتهاد

وهو في النووي في (الباب المتقدم) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 64 - 65 ج 12 المطبعة المصرية

[ عن عوف بن مالك، قال: قتل رجل من حمير رجلا من العدو، فأراد سلبه، فمنعه خالد بن الوليد، وكان واليا عليهم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عوف بن مالك فأخبره.

فقال لخالد:
"ما منعك أن تعطيه سلبه؟" قال: استكثرته. يا رسول الله! قال: "ادفعه إليه". فمر خالد بعوف، فجر بردائه ثم قال: هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغضب. فقال: لا تعطه. يا خالد لا تعطه يا خالد هل أنتم تاركون لي أمرائي؟ إنما مثلكم ومثلهم كمثل رجل استرعي إبلا أو غنما فرعاها ثم تحين سقيها فأوردها حوضا [ ص: 11 ] فشرعت فيه، فشربت صفوه وتركت كدره فصفوه لكم وكدره عليهم ]
.


(الشرح)

(عن عوف بن مالك) رضي الله عنه : (قال : قتل رجل من حمير رجلا من العدو) . وهو المددي المذكور في بعض الأحاديث . وهذه القضية جرت في غزوة مؤتة ، سنة ثمان . كما بينه مسلم في الرواية الأخرى .

(فأراد سلبه ، فمنعه خالد بن الوليد) رضي الله عنه ، (وكان واليا عليهم . فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عوف بن مالك ، فأخبره . فقال لخالد : " ما منعك أن تعطيه سلبه ؟ قال : استكثرته . يا رسول الله ! قال : " ادفعه إليه ". فمر خالد بعوف ، فجر بردائه . ثم قال : هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم ؟ فسمعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستغضب . فقال : "لا تعطه . يا خالد ! لا تعطه . يا خالد ! ") .

وهذا الحديث قد يستشكل من حيث : إن القاتل قد استحق السلب ، فكيف منعه إياه ؟ ويجاب عنه بوجهين ;

أحدهما : لعله أعطاه بعد ذلك للقاتل . وإنما أخره تعزيرا له ولعوف ابن مالك ، لكونهما أطلقا ألسنتهما في خالد " رضي الله عنه " ، وانتهكا حرمة الوالي ومن ولاه .

[ ص: 12 ] الثاني : لعله استطاب قلب صاحبه ، فتركه صاحبه باختياره وجعله للمسلمين . وكان المقصود بذلك استطابة قلب خالد ، للمصلحة في إكرام الأمراء . قاله النووي . ولا يخلو عن بعد.

ويمكن الجواب : بأن للإمام أن يعطي السلب لغير القاتل ، لأمر يعرض فيه مصلحة ، من تأديب أو غيره . قاله في النيل .

وفيه : جواز القضاء في حال الغضب ونفوذه . وأن النهي للتنزيه لا للتحريم . قاله النووي .

والحق : أن النهي للتحريم هنا . ولا يقاس أحد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. (هل أنتم تاركوا لي أمرائي ؟) . هكذا هو في بعض النسخ : " تاركوا " بغير نون. وفي بعضها : "تاركون " بالنون . قال النووي : وهذا هو الأصل . والأول صحيح أيضا ، وهي لغة معروفة . وقد جاءت بها أحاديث كثيرة ;

منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا . ولا تؤمنوا حتى تحابوا" .

قال في النيل : فيه الزجر عن معارضة الأمراء ومغاضبتهم ، والشماتة بهم . للأدلة الدالة على وجوب طاعتهم ، في غير معصية الله .

(إنما مثلكم ومثلهم ، كمثل رجل استرعي إبلا؟ أو غنما فرعاها .

ثم تحين سقيها ، فأوردها حوضا ، فشرعت فيه ، وشربت صفوه [ ص: 13 ] وتركت كدره . فصفوه لكم) يعني : الرعية . (وكدره عليهم) يعني : على الأمراء .

قال أهل اللغة : " الصفو " هنا بفتح الصاد لا غير . وهو الخالص . فإذا ألحقوه الهاء ، فقالوا : " الصفوة " ، كانت الصاد مضمومة ، ومفتوحة ، ومكسورة . ثلاث لغات .

ومعنى الحديث : أن الرعية يأخذون صفو الأمور ، فتصلهم أعطياتهم بغير نكد. وتبتلى الولاة بمقاساة الأمور ، وجمع الأموال على وجوهها وصرفها في وجوهها ، وحفظ الرعية ، والشفقة عليهم ، والذب عنهم ، وإنصاف بعضهم من بعض . ثم متى وقع علقة أو عتب في بعض ذلك ، توجه على الأمراء دون الناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية