السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3306 باب منه

وهو في النووي في (باب حكم الفيء) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 81 ج 12 المطبعة المصرية

[ (عن أبي هريرة) (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال: "لا يقتسم ورثتي دينارا. ما تركت بعد نفقة نسائي ومئونة عاملي، فهو صدقة" ) ] .


(الشرح)

قال العلماء : هذا التقييد بالدينار ، هو من باب التنبيه على ما سواه .

كما قال الله تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . وقال تعالى: ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك .

[ ص: 46 ] قالوا : وليس المراد بهذا اللفظ، النهي . لأنه إنما ينهى عما يمكن وقوعه. وإرثه صلى الله عليه وآله وسلم غير ممكن. وإنما هو بمعنى الإخبار . ومعناه : لا يقتسمون شيئا ، لأني لا أورث . هذا هو الصحيح المشهور من مذاهب العلماء في معنى الحديث . وبه قال جماهيرهم .

وحكى عياض عن ابن علية ، وبعض أهل البصرة : أنهم قالوا : إنما لم يورث ، لأن الله تعالى خصه أن جعل ماله كله صدقة .

والصواب : الأول . وهو الذي يقتضيه سياق الحديث . ثم إن جمهور العلماء على أن جميع الأنبياء عليهم السلام، لا يورثون .

وحكى عياض عن الحسن البصري ، أنه قال : عدم الإرث بينهم مختص بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، لقوله تعالى عن زكريا يرثني ويرث من آل يعقوب . وزعم أن المراد : وراثة المال .

وقال : لو أراد وراثة النبوة ، لم يقل : وإني خفت الموالي من ورائي إذ لا يخاف الموالي على النبوة ، ولقوله تعالى : وورث سليمان داود .

قال النووي : والصواب ما حكيناه عن الجمهور ; أن جميع الأنبياء لا يورثون . والمراد بقصة زكريا وداود : وراثة النبوة . وليس المراد حقيقة الإرث ، بل قيامه مقامه وحلوله مكانه. والله أعلم . انتهى .

[ ص: 47 ] وإن شئت مزيد الاطلاع على معنى الآيات ، فراجع تفسيرنا "فتح البيان ".

والمراد بالعامل في قوله : ومؤونة عاملي ;

قيل : هو القائم على هذه الصدقات ، والناظر فيها .

وقيل : كل عامل للمسلمين من خليفة وغيره . لأنه عامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ونائب عنه في أمته .

وأما مؤونة نسائه صلى الله عليه وآله وسلم ، فسبق بيانها قريبا .

قال عياض - في تفسير صدقات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، المذكورة في أحاديث هذا الباب - : صارت إليه بثلاثة حقوق ;

أحدها : ما وهب له صلى الله عليه وآله وسلم . وذلك وصية " مخيريق " اليهودي له عند إسلامه يوم أحد . وكانت سبع حوائط في بني النضير . وما أعطاه الأنصار من أرضهم ، وهو ما لا يبلغه الماء.

وكان هذا ملكا له ، صلى الله عليه وآله وسلم .

الثاني : حقه من الفيء من أرض بني النضير ، حين أجلاهم . كانت له خاصة . لأنها لم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب .

وأما منقولات بني النضير ، فحملوا منها ما حملته الإبل ، غير السلاح كما صالحهم .

[ ص: 48 ] ثم قسم صلى الله عليه وآله وسلم الباقي بين المسلمين . وكانت الأرض لنفسه ، ويخرجها في نوائب المسلمين .

وكذلك نصف أرض " فدك " . صالح أهلها بعد فتح "خيبر" على نصف أرضها . وكان خالصا له.

وكذلك ثلث أرض وادي القرى . أخذه في الصلح ، حين صالح أهلها اليهود .

وكذلك حصنان من حصون خيبر ، وهما "الوطيخ، والسلالم" ، أخذهما صلحا .

الثالث : سهمه من خمس خيبر ، وما افتتح فيها عنوة .

فكانت هذه كلها ، ملكا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة ، لا حق فيها لأحد غيره. لكنه صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يستأثر بها ، بل ينفقها على أهله والمسلمين ، وللمصالح العامة . وكل هذه صدقات محرمات التملك بعده . والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية