السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3308 [ ص: 49 ] باب : سهمان الفارس والراجل

وقال النووي : (باب كيفية قسمة الغنيمة في الحاضرين) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 82- 83 ج 12 المطبعة المصرية

[عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم في النفل للفرس سهمين وللرجل سهما .) هكذا هو في أكثر الروايات . وفي بعضها : " للفرس سهمين ، وللراجل سهما" بالألف . وفي بعضها : " للفارس سهمين ") .


(الشرح)

والمراد بالنفل هنا : "الغنيمة". وأطلق عليها اسم "النفل" : لكونها تسمى "نفلا" لغة . فإن النفل في اللغة : الزيادة والعطية . وهذه عطية من الله تعالى . فإنها أحلت لهذه الأمة دون غيرها .

قال النووي : واختلف العلماء في سهم الفارس والراجل من الغنيمة ; فقال الجمهور : يكون للراجل سهم واحد ، وللفارس ثلاثة أسهم : (سهمان بسبب فرسه ، وسهم بسبب نفسه) . وممن قال بهذا : ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وابن سيرين ، وعمر بن عبد العزيز ، ومالك ،

[ ص: 50 ] والأوزاعي ، والثوري ، والليث ، والشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو عبيد ، وابن جرير ، وآخرون .

وقال أبو حنيفة : للفارس سهمان فقط ; سهم لها) ، وسهم له .

قالوا : ولم يقل بقوله هذا أحد ، إلا ما روي عن علي وأبي موسى .

وحجة الجمهور : هذا الحديث . وهو صريح على رواية من روى : " للفرس سهمين وللرجل سهما " بغير ألف . وهي رواية الأكثرين . ومن روى " وللراجل " روايته محتملة ، فيتعين حملها على موافقة الأولى ; جمعا بين الروايتين . قال أصحابنا وغيرهم : ويرفع هذا الاحتمال ، ما ورد مفسرا، في غير هذه الرواية ، في حديث ابن عمر هذا : " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أسهم لرجل وفرسه : ثلاثة أسهم ، سهم له ، وسهمان لفرسه " . ومثله من رواية ابن عباس ، وأبي عمرة الأنصاري : ولو حضر بأفراس ، لم يسهم إلا لفرس واحد. هذا مذهب الجمهور ; منهم الحسن ، ومالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، ومحمد بن الحسن . " رضي الله عنهم ".

وقال الأوزاعي ، والثوري ، والليث ، وأبو يوسف : يسهم لفرسين . ويروى مثله أيضا عن الحسن ، ومكحول ، ويحيى الأنصاري ، وابن وهب ، وغيره من المالكيين . قالوا : ولم يقل أحد : إنه يسهم لأكثر [ ص: 51 ] من فرسين ، إلا شيئا روي عن سليمان بن موسى : أنه يسهم. انتهى .

وأقول : لا شك أن أحاديث الباب القاضية بأنه يسهم للفرس ولصاحبه ثلاثة أسهم: تشهد لها الأحاديث الكثيرة الصحيحة ، المذكورة في المنتقى وغيره . وأما حديث " مجمع بن جارية " بلفظ : " فأعطى الفارس سهمين ، والراجل سهما " رواه أحمد ، وأبو داود ، فذكر أبو داود : أن حديث ابن عمر أصح . قال : وأتى الوهم في حديث مجمع أنه قال : " فيهم ثلاثمائة فارس ". وإنما كانوا مائتي فارس. وقال الحافظ في الفتح : إن في إسناده ضعفا . وعلى فرض صحته : فيمكن تأويله بأن المراد : أسهم للفارس بسبب فرسه " سهمين" ، غير سهمه المختص به . قال في النيل : ولا بد من المصير إلى تأويل حديث مجمع ، وما ورد في معناه . لمعارضته للأحاديث الصحيحة ، الثابتة عن جماعة من الصحابة في الصحيحين وغيرهما . وقد تمسك بحديث مجمع: أبو حنيفة وغيره .

و أما احتمال : أن الثالث في بعض الحالات تنفيل ، جمعا [ ص: 52 ] بين الأخبار ، فلا يخفى ما فيه من التعسف . وقد أمكن الجمع مما سلف . وهو جمع نير ، دلت عليه الأدلة . وقد تقرر في الأصول : أن التأويل في جانب المرجوح من الأدلة لا الراجح . والأدلة القاضية بأن للفارس وفرسه سهمين ، مرجوحة . لا يشك في ذلك من له أدنى إلمام بعلم السنة .

والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية