السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3313 باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب

وهو في النووي في (الباب المتقدم) .

وقال في المنتقى : (باب منع أهل الذمة من سكنى الحجاز) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم النووي ص 92 ج 12 المطبعة المصرية

[ (عن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول أخبرني عمر بن الخطاب: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أدع إلا مسلما) .

[ ص: 69 ] ولفظ المنتقى : " حتى لا أدع فيها إلا مسلما " . قال : ورواه أحمد ، ومسلم ، والترمذي وصححه .

وفي حديث ابن عباس : (قال : اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعه يوم الخميس ، وأوصى عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب الحديث متفق عليه .

وعن عائشة ، (قالت : آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أن قال : لا يترك بجزيرة العرب دينان) . رواه أحمد .

وفي حديث أبي عبيدة بن الجراح ; (قال : آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أخرجوا يهود أهل الحجاز ، وأهل نجران ، من جزيرة العرب) . رواه أحمد . وفي الباب أحاديث سوى ذلك ].


(الشرح)

قال الأصمعي : " جزيرة العرب " ، ما بين أقصى عدن أبين ، إلى ريف العراق طولا . ومن جدة وما والاها من أطراف الشام عرضا

. وسميت " جزيرة " : لإحاطة البحار بها . يعني : بحر الهند ، وبحر [ ص: 70 ] فارس ، والحبشة . وأضيفت إلى العرب . لأنها كانت بأيديهم قبل الإسلام ، وبها أوطانهم ومنازلهم .

قال في القاموس : وجزيرة العرب : ما أحاط بها بحر الهند ، وبحر الشام ، ثم دجلة والفرات . أو ما بين عدن أبين إلى أطراف الشام طولا . ومن جدة إلى ريف العراق عرضا . انتهى.

وظاهر حديث ابن عباس : أنه يجب إخراج كل مشرك من جزيرة العرب ، سواء كان يهوديا ، أو نصرانيا ، أو مجوسيا . ويؤيد هذا : ما في حديث عائشة . وبهذا يعرف : أن ما وقع في بعض ألفاظ الحديث (من التصريح بإخراج اليهود والنصارى ، كما في حديث الباب وحديث أبي عبيدة . ومن الاقتصار على الأمر بإخراج اليهود) : لا ينافي الأمر العام ، لما تقرر في الأصول : أن التنصيص على بعض أفراد العام ، لا يكون مخصصا للعام المصرح به في لفظ آخر . وما نحن فيه : من ذلك الباب .

وظاهر الحديث : أنه يجب إخراج المشركين ، من كل مكان داخل في جزيرة العرب .

وحكى الحافظ في الفتح ، في كتاب الجهاد ، عن الجمهور : أن الذي يمنع منه المشركون من جزيرة العرب : هو الحجاز خاصة . قال : وهو مكة ، والمدينة ، واليمامة وما والاها . لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه .

[ ص: 71 ] اسم : " جزيرة العرب ". لاتفاق الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها ، مع أنها من جملة جزيرة العرب .

قال : وعن الحنفية : يجوز مطلقا ، إلا المسجد.

وعن مالك : يجوز دخولهم الحرم للتجارة .

وقال الشافعي : لا يدخلون الحرم أصلا ، إلا بإذن الإمام ، لمصلحة المسلمين . انتهى

قال ابن عبد البر "في الاستذكار" ما لفظه : قال الشافعي : جزيرة العرب ، التي أخرج عمر اليهود والنصارى منها : مكة ، والمدينة ، واليمامة ومخاليفها . فأما اليمن ، فليس من جزيرة العرب . انتهى .

قال في البحر : ولا يجوز إقرارهم في الحجاز ، إذ أوصى صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة أشياء ;

" إخراجهم من جزيرة العرب " الخبر ، ونحوه .

والمراد بجزيرة العرب في هذه الأخبار : مكة ، والمدينة ، واليمامة ومخاليفها ، ووج والطائف وما ينسب إليهما . وسمي الحجاز " حجازا " :

[ ص: 72 ] لحجزه بين نجد وتهامة . ثم حكى كلام الأصمعي السابق . ثم حكى عن أبي عبيدة أنه قال : " جزيرة العرب " ، هي ما بين حفر أبي موسى (وهو قريب من البصرة) ، إلى أقصى اليمن طولا ، وما بين يبرين إلى السماوة عرضا .

ثم قال: لنا ما روى أبو عبيدة : أن آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " أخرجو اليهود من جزيرة العرب ... الخبر" وأجلى عمر أهل الذمة من الحجاز ، فلحق بعضهم بالشام ، وبعضهم بالكوفة . وأجلى أبو بكر قوما ، فلحقوا بخيبر . فاقتضى أن المراد : الحجاز ، لا غير . انتهى.

قال في القاموس : " الحجاز " مكة ، والمدينة ، والطائف ومخاليفها . لأنها حجزت بين نجد وتهامة . أو بين نجد والسراة . أو لأنها احتجزت بالحرار الخمس ; حرة بني سليم ، وواقم ، وليلى ، وشوران ، والنار . انتهى .

قال الشوكاني "رحمه الله" في النيل : ولا يخفى أنه : لو كان حديث أبي عبيدة باللفظ الذي ذكره ، لم يدل على أن المراد بجزيرة [ ص: 73 ] العرب : هو الحجاز فقط ، ولكنه باللفظ الذي تقدم . فيكون دليلا لتخصيص جزيرة العرب بالحجاز . وفيه ما سيأتي . ثم قال : فلو فرضنا أنه لم يقع النص إلا على إخراجهم من الحجاز ، لكان المتعين إلحاق بقية جزيرة العرب به . فكيف والنص الصريح مصرح بالإخراج من جزيرة العرب؟

وأيضا ; هذا الحديث الذي فيه الأمر بالإخراج من الحجاز . فيه الأمر بإخراج أهل نجران . كما وقع في حديث أبي عبيدة . وليس " نجران " من الحجاز . فلو كان لفظ "الحجاز ، مخصصا للفظ " جزيرة العرب " على انفراده ، أو دالا على أن المراد بجزيرة العرب " الحجاز " فقط : لكان ذلك إهمالا لبعض الحديث . وإعمالا لبعض . وإنه باطل .

وأيضا ; غاية ما في حديث أبي عبيدة (الذي صرح فيه بلفظ الحجاز) : مفهومه معارض لمنطوق ما في حديث ابن عباس ، المصرح فيه بلفظ "جزيرة العرب ". والمفهوم لا يقوى على معارضة المنطوق . فكيف يرجح عليه ؟ انتهى ما في النيل ملخصا .

والحاصل : أن العمل على حديث عمر الذي في الباب متعين ، [ ص: 74 ] والمصير إليه متحتم . ويجب إخراجهم عن جزيرة العرب . وقد تقدم تعريفها والمراد بها . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية