السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3330 باب في غزوة بدر

ونحوه في النووي .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 124 - 126 ج 12 المطبعة المصرية

[عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور، حين بلغه إقبال أبي سفيان. قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه. ثم تكلم عمر فأعرض عنه. فقام سعد بن عبادة، فقال: إيانا تريد؟ يا رسول الله! والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر، لأخضناها. ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد، لفعلنا. قال: فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فانطلقوا حتى نزلوا بدرا. ووردت عليهم روايا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجاج، فأخذوه. فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه؟ فيقول: ما لي علم بأبي سفيان ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف فإذا قال ذلك ضربوه فقال نعم أنا أخبركم هذا أبو سفيان فإذا تركوه فسألوه فقال: ما لي بأبي سفيان علم. ولكن هذا أبو جهل، وعتبة، وشيبة، وأمية بن خلف في الناس فإذا قال هذا أيضا [ ص: 85 ] ضربوه ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي. فلما رأى ذلك انصرف. قال: "والذي نفسي بيده! لتضربوه إذا صدقكم. وتتركوه إذا كذبكم".

قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"هذا مصرع فلان قال ويضع يده على الأرض هاهنا وهاهنا قال فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم"
.


(الشرح)

(عن أنس) رضي الله عنه : (أن رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم شاور ، حين بلغه إقبال أبي سفيان . فتكلم أبو بكر فأعرض عنه . ثم تكلم عمر فأعرض عنه . فقام سعد بن عبادة ، فقال : إيانا تريد ؟ يا رسول الله ! والذي نفسي بيده ! لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها) .

قال أهل العلم : إنما قصد صلى الله عليه وآله وسلم اختبار الأنصار . لأنه لم يكن بايعهم على أن يخرجوا معه للقتال وطلب العدو . وإنما بايعهم على أن يمنعوه ممن يقصده . فلما عرض الخروج لعير أبي سفيان ، أراد أن يعلم أنهم يوافقون على ذلك . فأجابوه أحسن جواب : بالموافقة التامة في هذه المرة وغيرها .

وفيه : استشارة الأصحاب ، وأهل الرأي والخبرة .

(ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد ، لفعلنا) . أما [ ص: 86 ] " برك " فهو بفتح الباء وإسكان الراء . هذا هو المعروف المشهور في كتب الحديث ، وروايات المحدثين . وكذا نقله عياض عن روايتهم . قال : وقال بعض أهل اللغة : صوابه كسر الراء . قال . وكذا قيده شيوخ أبي ذر ، في البخاري . وقال في المشارق : هو بالفتح) لأكثر الرواة. قال : ووقع للأصيلي والمستملي وأبي محمد الحموي : بالكسر) .

قال النووي قلت : وذكره جماعة من أهل اللغة بالكسر لا غير .

واتفق الجميع على أن الراء ساكنة ، إلا ما حكاه القاضي عن الأصيلي أنه ضبطه : بإسكانها وفتحها . وهذا غريب ضعيف .

وأما " الغماد " فبكسر الغين وضمها . لغتان مشهورتان . لكن الكسر أفصح . وهو المشهور في روايات المحدثين . والضم هو المشهور في كتب اللغة) . وحكى صاحب " المشارق والمطالع " : الوجهين ، عن ابن دريد . وقال عياض في الشرح : ضبطناه في الصحيحين بالكسر : قال : وحكى ابن دريد فيه : الضم والكسر . وقال الحازمي في كتابه "المؤتلف والمختلف [ ص: 87 ] في أسماء الأماكن " : هو بكسر الغين ، ويقال بضمها . قال : وقد ضبطه ابن الفرات في أكثر المواضع : بالضم . لكن أكثر ما سمعته من المشايخ : بالكسر . قال : وهو موضع من وراء مكة بخمس ليال ، بناحية الساحل. وقيل : بلدتان . هذا قول الحازمي .

وقال عياض ، وغيره : هو موضع بأقاصي هجر .

وقال إبراهيم الحربي : " برك الغماد ، وسعفان هجر " كناية . يقال فيما تباعد .

قال : فندب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس ، فانطلقوا حتى نزلوا بدرا ووردت عليهم روايا قريش ، وفيهم غلام أسود لبني الحجاج ، فأخذوه . فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم، يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه ؟ فيقول : مالي علم بأبي سفيان . ولكن هذا أبو جهل ، وعتبة ، وشيبة ، وأمية بن خلف . فإذا قال ذلك ، ضربوه . فقال : نعم . أنا أخبركم . هذا أبو سفيان . فإذا تركوه فسألوه ؟ فقال : مالي بأبي سفيان علم . ولكن هذا أبو جهل ، وعتبة ، وشيبة ، وأمية بن خلف ، في الناس . فإذا قال هذا أيضا ، ضربوه . ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم يصلي . فلما رأى ذلك انصرف) أي : سلم من صلاته .

فيه : استحباب تخفيفها ، إذا عرض أمر في أثنائها .

[ ص: 88 ] (وقال : والذي نفسي بيده ! لتضربوه إذا صدقكم . وتتركوه إذا كذبكم) . هكذا وقع في النسخ : " تضربوه وتتركوه " بغير نون. وهي لغة سبق بيانها مرات . أعني : حذف النون بغير ناصب ولا جازم .

وفيه : جواز ضرب الكافر ، الذي لا عهد له ، وإن كان أسيرا .

(قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " هذا مصرع فلان ، ويضع يده على الأرض ، ههنا وههنا) .

في هذا الحديث : معجزتان من أعلام النبوة .

إحداهما : إخباره صلى الله عليه وآله وسلم بمصرع جبابرتهم . فلم يبعد أحد مصرعه ، كما قال أنس رضي الله عنه : (فما ماط) أي . فما تباعد (أحدهم عن موضع يد رسول الله ، صلى الله عليه وآله (وسلم) .

الثانية : إخباره صلى الله عليه وآله وسلم ، بأن الغلام الذي كانوا يضربونه : يصدق إذا تركوه ويكذب إذا ضربوه . وكان كذلك في نفس الأمر . والله أعلم ، ولله الحمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية