السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3349 باب منه

وأورده النووي في (الباب المتقدم) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 151 - 153 ج12 المطبعة المصرية

[ عن ابن مسعود، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه فيضعه في كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه. فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه. قال: فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض، وأنا قائم أنظر لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم ساجد ما يرفع رأسه. حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة. فجاءت، وهي جويرية، فطرحته عنه. ثم أقبلت عليهم [ ص: 116 ] تشتمهم. فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته، رفع صوته ثم دعا عليهم. وكان إذا دعا. دعا ثلاثا. وإذا سأل، سأل ثلاثا، ثم قال: "اللهم عليك بقريش" ثلاث مرات. فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته. ثم قال: "اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وذكر السابع ولم أحفظه فوالذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر. ثم سحبوا إلى القليب، قليب بدر. قال أبو إسحق: الوليد بن عقبة غلط في هذا الحديث ) .


(الشرح)

(عن ابن مسعود رضي الله عنه : (قال : بينما رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم يصلي عند البيت ، وأبو جهل وأصحاب له جلوس ، وقد نحرت جزور بالأمس . فقال أبو جهل : أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان) . "السلا" بفتح السين وتخفيف اللام ، مقصور . وهو اللفافة التي يكون فيها الولد ، في بطن الناقة وسائر الحيوان . وهي من الآدمية : " المشيمة ".

(فيأخذه فيضعه في كتفي محمد ) صلى الله عليه وآله وسلم ، (إذا سجد. فانبعث أشقى القوم) . هو " عقبة بن أبي معيط " ، كما صرح به مسلم في رواية أخرى . (فأخذه . فلما سجد النبي صلى الله عليه) [ ص: 117 ] وآله (وسلم ، وضعه بين كتفيه . قال : فاستضحكوا . وجعل بعضهم يميل على بعض . وأنا قائم أنظر . لو كانت لي منعة) بفتح النون . وحكي إسكانها ، وهو شاذ ضعيف. ومعناها : قوة أو عشيرة . وعلى هذا " منعة " : جمع مانع . ككاتب وكتبة ، وطالب وطلبة . أي : لو كانت لي قوة تمنع أذاهم . أو كانت عشيرة تمنعني (طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم ، والنبي صلى الله عليه وآله (وسلم ساجد ، ما يرفع رأسه) .

فيه إشكال . فإنه يقال : كيف استمر في الصلاة ، مع وجود النجاسة على ظهره ؟

وأجاب عياض : بأن هذا ليس بنجس . قال: لأن الفرث ورطوبة البدن طاهران . والسلا من ذلك . وإنما النجس : " الدم " . قال النووي : وهذا الجواب يجيء على مذهب مالك ومن وافقه ، أن روث ما يؤكل لحمه طاهر . قال : ومذهبنا ومذهب أبي حنيفة وآخرين : نجاسته . وجواب عياض ضعيف ، أو باطل . لأن هذا السلا يتضمن النجاسة ، من حيث إنه لا ينفك من الدم في العادة . ولأنه ذبيحة عباد الأوثان ، فهو نجس ، وكذلك اللحم وجميع أجزاء هذا الجزور .

قال : وأما الجواب المرضي : أنه صلى الله عليه وآله وسلم ، لم يعلم ما وضع على ظهره . فاستمر في سجوده استصحابا للطهارة . وما ندري ! [ ص: 118 ] هل كانت هذه الصلاة فريضة ؟ فتجب إعادتها على الصحيح عندنا . أم غيرها ؟ فلا تجب . فإن وجبت الإعادة ، فالوقت موسع لها . فإن قيل: يبعد أن لا يحس بما وقع على ظهره ، قلنا : وإن أحس به ، فما يتحقق أنه نجاسة . انتهى .

وأقول : هذا الجواب مبني على شرطية الطهارة للصلاة . والحق : أن الطهارة) واجبة لها ، لا شرط لصحتها . فإن سلم أنه صلى الله عليه وآله وسلم علم بنجاسته ، واستمر في الصلاة ولم يعدها : كان هذا دليلا على عدم اشتراط الطهارة للصلاة . والدم حرام على الأصح وليس بنجس ، حتى يتكلف لتأويله هذا التكلف.

(حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة) رضي الله عنها ، (فجاءت وهي جويرية ، فطرحته عنه . ثم أقبلت عليهم تسبهم فلما قضى النبي صلى الله عليه ) وآله (وسلم صلاته ، رفع صوته ثم دعا عليهم .

وكان إذا دعا ، دعا ثلاثا. وإذا سأل ، سأل ثلاثا ) .

فيه : استحباب تكرير الدعاء ثلاثا. والسؤال هو الدعاء . لكنه عطفه لاختلاف اللفظ توكيدا.

ثم قال : ( اللهم ! عليك بقريش " ثلاث مرات . فلما سمعوا [ ص: 119 ] صوته ، ذهب عنهم الضحك ، وخافوا دعوته . ثم قال : " اللهم ! عليك بأبي جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عقبة ") هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم : " بالقاف " . واتفق العلماء على أنه غلط . وصوابه : " الوليد بن عتبة " بالتاء . كما ذكره مسلم في رواية أخرى . وذكره البخاري في صحيحه ، وغيره من أئمة الحديث : على الصواب . وقد نبه عليه إبراهيم بن سفيان في آخر الحديث ، كما سيأتي .

(" وأمية بن خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، - وذكر السابع ولم أحفظه -) . وقد وقع في رواية البخاري تسمية السابع أنه : " عمارة بن الوليد ".

(فوالذي بعث محمدا صلى الله عليه) وآله (وسلم بالحق ! لقد رأيت الذي سمى صرعى يوم بدر . ثم سحبوا إلى القليب ، قليب بدر) هذه إحدى دعواته (صلى الله عليه وآله وسلم " المجابة .

" والقليب " هي البئر التي لم تطو . وإنما وضعوا في القليب تحقيرا لهم .

ولئلا يتأذى الناس برائحتهم . وليس هو دفنا . لأن الحربي لا يجب دفنه ، بل يترك في الصحراء ، إلا أن يتأذى به .

قال عياض : اعترض بعضهم على هذا الحديث ، في قوله : " رأيتهم صرعى ببدر" . ومعلوم أن أهل السير قالوا . إن " عمارة بن الوليد " وهو أحد السبعة ، كان عند النجاشي ، فاتهمه في حرمه وكان جميلا ، [ ص: 120 ] فنفخ في إحليله سحرا ، فهام مع الوحوش في بعض جزائر الحبشة فهلك . قال : وجوابه : أن المراد أنه رأى أكثرهم . بدليل أن " عقبة بن أبي معيط ، منهم ، ولم يقتل ببدر . بل حمل منها أسيرا . وإنما قتله النبي صلى الله عليه وآله وسلم صبرا ، بعد انصرافه من بدر ، بعرق الظبية ، بضم الظاء وسكون الباء ، ثم ياء ثم هاء . هكذا ضبطه الحازمي في كتابه " المؤتلف في الأماكن " . قال: وقال الواقدي : هو من الروحاء ، على ثلاثة أميال مما يلي المدينة .

(قال أبو إسحاق : " الوليد بن عقبة " غلط في هذا الحديث) . قال العلماء : " الوليد بن عقبة " بالقاف . هو ابن أبي معيط . ولم يكن ذلك الوقت موجودا . أو كان طفلا صغيرا جدا . فقد أتي به النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح ، وهو قد ناهز الاحتلام ، ليمسح على رأسه . والصحيح : " الوليد بن عتبة " كما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية