السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
422 [ ص: 458 ] (باب إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا)

وقال النووي: (باب حكم ولوغ الكلب).

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 183 189 ج3 المطبعة المصرية

[عن ابن المغفل ، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال: ما بالهم وبال الكلاب؟ ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم، وقال: إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة في التراب " وفي رواية يحيى بن سعيد من الزيادة ورخص في كلب الغنم والصيد والزرع، وليس ذكر الزرع في الرواية غير يحيى .


(الشرح)

(عن عبد الله بن المغفل) بضم الميم وفتح الغين والفاء، وهو المزني.

قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب".

قيل: إن كان الكلب عقورا قتل، وإلا لا، سواء كان فيه منفعة، أو لم تكن.

وذهب إمام الحرمين إلى أن الأمر بقتلها منسوخ.

ثم قال: "ما بالهم وبال الكلاب؟" وهذا نهي عن اقتنائها. وقد [ ص: 459 ] اتفقوا على أنه يحرم اقتناء الكلب لغير حاجة: مثل أن يقتني كلبا إعجابا بصورته، أو للمفاخرة به، فهذا حرام بلا خلاف.

وأما الحاجة التي يجوز الاقتناء لها، فقد ورد هذا الحديث بالترخيص لأحد ثلاثة أشياء: وهو قوله "ثم رخص في كلب الصيد، وكلب الغنم" والثالث "كلب الزرع" وهذا جائز بلا خلاف.

وأما اقتناؤه لحراسة الدور، والدروب، واقتناء الجرو ليعلم، فمنهم من حرمه، لورود الرخصة في الثلاثة فقط. ومنهم من أباحه، وهو "الأصح"؛ لأنه في معناها.

واختلفوا فيمن اقتنى "كلب صيد" وهو رجل لا يصيد.

قاله النووي. وقال: "إذا ولغ الكلب في الإناء". قال أهل اللغة: يقال: "ولغ" الكلب "بلغ" بفتح اللام فيهما "ولوغا" إذا شرب بطرف لسانه.

قال أبو زيد: "ولغ" الكلب بشرابنا، وفي شرابنا، ومن شرابنا.

"فاغسلوه سبع مرات"، وفي رواية: "أولاهن بالتراب"، وفي أخرى "أخراهن أو أولاهن"، وفي أخرى: "السابعة بالتراب".

"وعفروه الثامنة في التراب"، وقد روى البيهقي وغيره هذه الروايات كلها، وهي تدل على أن التقييد "بالأولى" وبغيرها. ليس على الاشتراط بل المراد "إحداهن".

ومذهب الجماهير: أن المراد: اغسلوه سبعا، واحدة منهن بالتراب مع الماء. فكان التراب قائما مقام غسله. فسميت ثامنة لهذا.

[ ص: 460 ] "وفيه" وجوب غسل ذلك الإناء سبع مرات. وإليه ذهب مالك، وأحمد، والجماهير، وهو الصحيح.

وقال أبو حنيفة "رح" يكفي غسله ثلاث مرات. والحديث الصحيح يرده عليه.

ولا فرق بين الكلب المأذون في اقتنائه، وغيره، ولا بين كلب البدوي والحضري، لعموم اللفظ.

قال النووي: "فيه" دلالة ظاهرة لمذهب الشافعي وغيره، ممن يقول بنجاسة الكلب.

قلت: هذا لا يتم إلا بعد تسليم أن العلة في الغسل عن ولوغه في الإناء، هي "النجاسة"، وتسليم صحة إلحاق جميع الأجزاء بالريق.

ولا يخلو كل واحد من هذين الأمرين من نزاع، يعرفه من يعرف علم المناظرة.

وقد استدل القائل "بالطهارة" بحديث: "إن الكلاب كانت تقبل، وتدبر، وتبول في مسجده صلى الله عليه وسلم ولا يغسلون ذلك"، وهو حديث صحيح دل على عدم وجوب تطهير المكان الذي تبول فيه، وجواز الصلاة فيه، من دون تطهيره.

والحق ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من التسبيع، والتتريب، وليس من شرط التعبد الاطلاع على علل الأحكام، التي تعبدنا الله بها على ما هو الراجح، والله أعلم.

[ ص: 461 ] وقد ذهب مالك إلى طهارته، وطهارة سؤر المأذون في اتخاذه دون غيره. وهذا أحد أقواله.

والمراد في مسألة "الولوغ"، الزجر والتغليظ، والمبالغة في التنفير عن الكلاب.

"وفي رواية يحيى بن سعيد" من الزيادة: "ورخص في كلب الغنم، والصيد، والزرع"، وليس ذكر "الزرع" في الرواية غير "يحيى".

هكذا هو في الأصول "وذكر" بفتحتين.

التالي السابق


الخدمات العلمية