السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3447 باب: في خيار الأئمة وشرارهم

ونحوه في النووي .

حديث الباب

( وهو بصحيح مسلم \ النووي ص244 ج12 المطبعة المصرية)

[عن عوف بن مالك; عن رسول الله صلى الله عليه وسلم; قال: "خيار أئمتكم: الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم. وشرار أئمتكم: الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم". قيل: يا رسول الله! أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: "لا. ما أقاموا فيكم الصلاة. وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه; فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدا من طاعة" ].


[ ص: 335 ] (الشرح)

( عن عوف بن مالك ) رضي الله عنه; ( عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "خيار أئمتكم: الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم ".) أي يدعون لكم.

فيه: دليل على مشروعية محبة الأئمة، والدعاء لهم، وأن من كان من الأئمة محبا للرعية، ومحبوبا لديهم، وداعيا لهم، ومدعوا له منهم: فهو من خيار الأئمة.

( "وشرار أئمتكم: الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم") . يعني: من كان باغضا للرعية مبغوضا عندهم، يسبهم ويسبونه: فهو من شرارهم. وذلك لأنه إذا عدل فيهم وأحسن القول لهم: أطاعوه وانقادوا له، وأثنوا عليه. فلما كان هو الذي يتسبب بالعدل وحسن القول: إلى المحبة والطاعة، والثناء عليهم، كان من خيار الأئمة. ولما كان هو الذي يتسبب أيضا بالجور والشتم للرعية: إلى معصيتهم له وسوء القائلة منهم فيه، كان من شرار الأئمة.

[ ص: 336 ] ( قيل: يا رسول الله! أفلا ننابذهم بالسيوف؟ فقال: "لا. ما أقاموا فيكم الصلاة") .

فيه: دليل على أنه لا يجوز منابذة الأئمة بالسيف، مهما كانوا مقيمين للصلاة . ويدل ذلك بمفهومه: على جواز المنابذة عند تركهم للصلاة.

( وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه، فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدا عن طاعة") . وزاد في رواية أخرى: "ألا من ولي عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعته" .

فيه: دليل على أن من كره بقلبه، ما يفعله السلطان من المعاصي: كفاه ذلك. ولا يجب عليه زيادة عليه. وفي الصحيح: "من رأى منكم منكرا، فليغيره بيده. فإن لم يستطع; فبلسانه. فإن لم يستطع، فبقلبه".

ويمكن حمل حديث الباب، وما في معناه: على عدم القدرة على التغيير باليد واللسان.

[ ص: 337 ] ويمكن: أن يجعل مختصا بالأمراء، إذا فعلوا منكرا، لما في الأحاديث الصحيحة، من تحريم معصيتهم ومنابذتهم. فكفى في الإنكار عليهم: مجرد الكراهة بالقلب. لأن في إنكار المنكر عليهم باليد واللسان تظهر بالعصيان. وربما كان ذلك وسيلة إلى المنابذة بالسيف، وهي منهي عنها.

وفيه: دليل على وجوب الصبر، على جور الأئمة، والنهي عن الخروج عليهم، ما أقاموا الصلاة.

وإنما خص الصلاة ههنا: لأنها فرق بين الإسلام والكفر. فمن أقامها; فهو مسلم، وتجب طاعته. ومن تركها عمدا; فقد كفر، وجاز الخروج عن طاعته.

التالي السابق


الخدمات العلمية