السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3243 [ ص: 358 ] باب: رد المحدثات من الأمور

وقال النووي : ( باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور) . وأورده صاحب المنتقى في: ( باب الصلاة في ثوب الحرير، والغصب) مختصرا.

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص16 ج12 المطبعة المصرية

[ ( عن سعد بن إبراهيم ; قال: سألت القاسم بن محمد عن رجل له ثلاثة مساكن. فأوصى بثلث كل مسكن منها؟ قال: يجمع ذلك كله في مسكن واحد. ثم قال: أخبرتني عائشة) رضي الله عنها ( أن رسول الله صلى الله عليه) وسلم ( قال: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا; فهو رد") .

وفي رواية عنها "قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" ].


[ ص: 359 ] (الشرح)

قال النووي : قال أهل العربية: "الرد" هنا بمعنى المردود. ومعناه: فهو باطل غير معتد به.

وهذا الحديث: قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وآله وسلم. فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات. وفي الرواية الأولى يعني "رواية الكتاب": زيادة. وهي أنه قد يعاند بعض الفاعلين في بدعة سبق إليها. فإذا احتج عليه بالرواية الثانية ; يقول: أنا ما أحدثت شيئا فيحتج عليه بالأولى التي فيها التصريح برد كل المحدثات، سواء أحدثها الفاعل، أو سبق بإحداثها.

قال: وفي هذا الحديث: دليل لمن يقول من الأصوليين: "إن النهي يقتضي الفساد". ومن قال: "لا يقتضي الفساد"، يقول: هذا خبر واحد; ولا يكفي في إثبات هذه القاعدة المهمة. وهذا جواب فاسد. فاسد.

قال: وهذا الحديث مما ينبغي حفظه، واستعماله في إبطال المنكرات، وإشاعة الاستدلال به. انتهى . قلت: حديث الباب متفق [ ص: 360 ] عليه. ولأحمد: "من صنع أمرا على غير أمرنا; فهو مردود". والمراد بالأمر هنا: واحد الأمور. وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأصحابه.

"والرد": مصدر بمعنى اسم المفعول، كما بينته الرواية الأخرى .

قال في الفتح: يحتج به في إبطال جميع العقود المنهية، وعدم وجود ثمراتها المترتبة عليها، وأن النهي يقتضي الفساد، لأن المنهيات كلها ليست من أمر الدين، فيجب ردها.

ويستفاد منه: أن حكم الحاكم لا يغير ما في باطن الأمر، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس عليه أمرنا"، والمراد به: أمر الدين. وفيه: أن الصلح الفاسد منتقض، والمأخوذ عليه مستحق الرد. انتهى .

قال العلامة الشوكاني "رضي الله عنه: وهذا الحديث من قواعد الدين; لأنه يندرج تحته من الأحكام ما لا يأتي عليه الحصر. وما أصرحه وأدله: على إبطال ما فعله الفقهاء، من تقسيم البدع إلى أقسام، وتخصيص الرد ببعضها بلا مخصص من عقل ولا نقل! فعليك إذا سمعت من يقول: "هذه بدعة حسنة": بالقيام في مقام المنع، مسندا له بهذه [ ص: 361 ] الكلية وما يشابهها، من نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "كل بدعة ضلالة"، طالبا لدليل تخصيص تلك البدعة، التي وقع النزاع في شأنها، بعد الاتفاق على أنها بدعة. فإن جاءك به قبلته. وإن كاع كنت قد ألقمته حجرا، واسترحت من المجادلة. انتهى .

قلت: وقد أنكر جماعة من المحققين: تقسيم البدع والمحدثات والمخترعات إلى أقسام تعلق به الفقهاء وغيرهم. وقالوا: إن هذا الحديث وما في معناه كلية عامة في جميعها. ومن استحسن فقد ابتدع.

وقد صرح بعض القائلين بتقسيمها: أن السنة اليسيرة خير من بدعة حسنة. مثلا فعل الاستنجاء على الوجه المأثور المسنون، خير من بناء المدرسة والرباط. وأنت إذا أمعنت النظر في الأحاديث التي وردت في ذم البدع وأهلها، دريت أن القول بتقسيمها: بدعة، لا يساعده دليل من نقل ولا عقل. ولا ملجئ إليه إلا: هوى النفوس الأمارة بالسوء، [ ص: 362 ] والتأويل المفضي إلى فساد الدين. وقد طال النزاع في هذا من قوم مبطلين بطالين، وآل الأمر إلى مفارقة جماعة المسلمين المنهي عنها في الكتاب العزيز والسنة المطهرة، في غير موضع. والله أعلم.

قال في النيل: ومن مواطن الاستدلال لهذا الحديث: كل فعل أو ترك; وقع الاتفاق بينك وبين خصمك على أنه ليس من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخالفك في اقتضائه البطلان أو الفساد متمسكا بما تكرر في الأصول: من أنه لا يقتضي ذلك إلا عدم أمر يؤثر عدمه في العدم، كالشرط. أو وجود أمر يؤثر وجوده في العدم، كالمانع: فعليك بمنع هذا التخصيص الذي لا دليل عليه، إلا مجرد الاصطلاح، مسندا لهذا المنع بما في حديث الباب: من العموم المحيط بكل فرد من أفراد الأمور، التي ليست من ذلك القبيل، قائلا: هذا أمر ليس من أمره، وكل أمر ليس من أمره رد، فهذا رد. وكل رد باطل، فهذا باطل. فالصلاة مثلا التي ترك فيها ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو فعل فيها ما كان يتركه: ليست من أمره، فتكون باطلة بنفس هذا الدليل. سواء كان ذلك الأمر المفعول أو المتروك: مانعا باصطلاح أهل الأصول، أو شرطا، أو غيرهما. فليكن هذا منك على ذكر.

قال في الفتح: وهذا الحديث: معدود من أصول الإسلام، وقاعدة [ ص: 363 ] من قواعده. فإن معناه: من اخترع من الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله، فلا يلتفت إليه. انتهى.

وقال الطوخي : هذا الحديث يصلح أن يسمى: نصف أدلة الشرع; لأن الدليل يتركب من مقدمتين والمطلوب بالدليل: إما إثبات الحكم، أو نفيه. وهذا الحديث: مقدمة كبرى في إثبات كل حكم شرعي ونفيه، لأن منطوقه مقدمة كلية. مثل أن يقال في الوضوء بماء نجس: هذا ليس من أمر الشرع، وكل ما كان كذلك فهو مردود، فهذا العمل مردود.. فالمقدمة الثانية ثابتة بهذا الدليل. وإنما يقع النزاع في الأولى. ومفهومه: أن من عمل عملا عليه أمر الشرع فهو صحيح. فلو اتفق أن يوجد حديث يكون مقدمة أولى في إثبات كل حكم شرعي ونفيه; لاستقل الحديثان بجمع أدلة الشرع. لكن هذا الثاني لا يوجد، فإذن حديث الباب نصف أدلة الشرع. انتهى، وما أحسن هذا الكلام في هذا المقام! وبالله التوفيق، وهو المستعان.

التالي السابق


الخدمات العلمية