السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3565 باب: الصيد بالسهام، والتسمية عند الرمي

وقال النووي : ( باب الصيد بالكلاب المعلمة) . وقال في المنتقى: ( باب ما جاء في صيد الكلب المعلم والبازي، ونحوهما) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص78 - 79 ج13 المطبعة المصرية

[عن عدي بن حاتم ; قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أرسلت كلبك; فاذكر اسم الله. فإن أمسك عليك فأدركته حيا; فاذبحه. وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه; فكله. وإن وجدت مع كلبك كلبا غيره وقد قتل; فلا تأكل. فإنك لا تدري: أيهما قتله؟ وإن رميت سهمك; فاذكر اسم الله. فإن غاب عنك يوما فلم تجد فيه إلا أثر سهمك; فكل إن شئت. وإن وجدته غريقا في الماء; فلا تأكل" ].


[ ص: 368 ] (الشرح)

( عن عدي بن حاتم ) رضي الله عنه; ( قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا أرسلت كلبك; فاذكر اسم الله) . فيه: اشتراط التسمية.

( فإن أمسك عليك فأدركته حيا، فاذبحه) . هذا تصريح بأنه إذا أدرك ذكاته; وجب ذبحه، ولم يحل إلا بالذكاة. قال النووي : وهو مجمع عليه. وما نقل عن الحسن والنخعي خلافه فباطل، لا أظنه يصح عنهما. وأما إذا أدركه ولم تبق فيه حياة مستقرة: بأن كان قد قطع حلقومه ومريه. أو أجافه . أو خرق أمعاءه. أو أخرج حشوته: فيحل من غير ذكاة بالإجماع. قالت الشافعية وغيرهم: ويستحب إمرار السكين على حلقه ليريحه.

( وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه; فكله) . فيه: دليل على تحريم ما أكل منه الكلب من الصيد، ولو كان الكلب معلما. وقد علل في الحديث الآخر: بالخوف من أنه أمسك على نفسه. وهذا قول الجمهور. وقال مالك: إنه يحل ، بدليل حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وفيه: "كل ما أمسك عليك، وإن أكل" . أخرجه أبو داود .

[ ص: 369 ] قال الحافظ: ولا بأس بإسناده. قال: وسلك الناس في الجمع بين الحديثين طرقا;

منها للقائلين بالتحريم: الأولى: حمل هذا الحديث على ما إذا قتله وخلاه، ثم عاد فأكل منه.

والثانية: الترجيح. فرواية عدي في الصحيحين، وهذه في غيرهما، ومختلف في تضعيفها. وأيضا رواية عدي: صريحة مقرونة بالتعليل المناسب للتحريم: "وهو خوف الإمساك على نفسه"; متأيدة بأن الأصل في الميتة: التحريم. فإذا شككنا في السبب المبيح; رجعنا إلى الأصل. ولظاهر القرآن أيضا، وهو قوله تعالى: فكلوا مما أمسكن عليكم . فإن مقتضاه: أن الذي تمسكه من غير إرسال; لا يباح. ويتقوى أيضا بالشواهد; من حديث ابن عباس عند أحمد : "إذا أرسلت الكلب فأكل الصيد، فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه. فإذا أرسلته فقتله ولم يأكل; فكل، فإنما أمسك على صاحبه". وأخرجه البزار من [ ص: 370 ] وجه آخر; عن ابن عباس، وابن أبي شيبة ; من حديث " أبي رافع " نحوه بمعناه. ولو كان مجرد الإمساك كافيا; لما احتيج إلى زيادة: "عليكم" في الآية.

وأما القائلون بالإباحة; فحملوا حديث "عدي" على: كراهة التنزيه. وحديث "عمرو" على: بيان الجواز. ولا يخفى ضعف هذا التمسك; مع التصريح بالتعليل لخوف الإمساك على نفسه، في طريق آخر. انتهى. وفي المقام أقوال أخر، ليست صافية عن كدر الضعف، فلا نطول بذكرها الكتاب.

( وإن وجدت مع كلبك كلبا غيره وقد قتل; فلا تأكل. فإنك لا تدري أيهما قتله؟) .

فيه: بيان قاعدة مهمة: وهي أنه إذا حصل الشك في الذكاة المبيحة للحيوان; لم يحل. لأن الأصل: تحريمه. قال النووي : وهذا لا خلاف فيه.

وفيه: تنبيه على أنه لو وجده حيا وفيه حياة مستقرة فذكاه; حل. ولا يضر كونه اشترك في إمساكه كلبه وكلب غيره. لأن الاعتماد حينئذ في الإباحة على تذكية الآدمي; لا على إمساك الكلب. وإنما تقع الإباحة [ ص: 371 ] بإمساك الكلب إذا قتله. وحينئذ إذا كان معه كلب آخر: لم يحل; إلا أن يكون أرسله من هو من أهل الذكاة. فإن تحقق أنه أرسله من ليس من أهل الذكاة: لا يحل. ثم ينظر، فإن كان إرسالهما معا: فهو لهما. وإلا فللأول.

( وإن رميت بسهمك ، فاذكر اسم الله. فإن غاب عنك يوما فلم تجد فيه إلا أثر سهمك; فكل إن شئت) . هذا دليل لمن يقول: إذا أثر جرحه فغاب عنه فوجده ميتا، وليس فيه أثر غير سهمه: حل. وهو أحد قولي الشافعي، ومالك; في الكلب والسهم.

والثاني: يحرم. قال النووي : وهو الأصح عند الشافعية .

والثالث: يحرم في الكلب، دون السهم. قال: والأول أقوى وأقرب إلى الأحاديث الصحيحة. وأما الأحاديث المخالفة له فضعيفة، ومحمولة على كراهة التنزيه. وكذا الأثر عن ابن عباس : "كل ما أصميت، ودع ما أنميت". أي: كل ما لم يغب عنك. دون ما غاب. انتهى .

وحكى البيهقي في "المعرفة" عن الشافعي : أنه قال في قول ابن عباس هذا: معنى "ما أصميت": ما قتله الكلب وأنت تراه. [ ص: 372 ] "وما أنميت" أي: ما غاب عنك مقتله. قال: ولا يجوز عندي غيره، إلا أن يكون جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيه شيء، فيسقط كل شيء خالف أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ولا يقوم معه رأي ولا قياس. قال البيهقي : وقد ثبت الخبر، يعني: المذكور في الباب. فينبغي أن يكون هو قول الشافعي .

( وإن وجدته غريقا في الماء; فلا تأكل) . قال النووي : هذا متفق على تحريمه. انتهى.

وفي رواية أخرى عنه متفق عليها: "إلا أن تجده قد وقع في ماء، فإنك لا تدري: الماء قتله، أو سهمك؟".

وفي رواية أحمد: "وإن وقع في الماء; فلا تأكل".

قال في النيل: فإن تحقق أن السهم أصابه فمات، فلم يقع في الماء; إلا بعد أن قتله السهم: حل أكله. وقد صرح الرافعي بأن محله: ما لم ينته الصيد بتلك الجراحة إلى حركة المذبوح. فإن انتهى إليها، كقطع الحلقوم مثلا: فقد تمت ذكاته. ويؤيده قوله: "فإنك لا تدري: [ ص: 373 ] الماء قتله، أو سهمك؟". فدل على أنه إذا علم أن سهمه هو الذي قتله: أنه يحل. انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية