السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3562 [ ص: 377 ] باب: الصيد بالمعراض، والتسمية عند إرسال الكلب

وهو في النووي في: ( باب الصيد بالكلاب المعلمة) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص76 ج13 المطبعة المصرية

[عن عدي بن حاتم; قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن المعراض؟ فقال: "إذا أصاب بحده; فكل. وإذا أصاب بعرضه فقتل; فإنه وقيذ. فلا تأكل".

وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الكلب؟ فقال: "إذا أرسلت كلبك، وذكرت اسم الله; فكل. فإن أكل منه; فلا تأكل. فإنه إنما أمسك على نفسه".

قلت: فإن وجدت مع كلبي كلبا آخر، فلا أدري أيهما أخذه؟ قال: "فلا تأكل. فإنما سميت على كلبك، ولم تسم على غيره"
].


(الشرح)

( عن عدي بن حاتم ) رضي الله عنه; ( قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عن المعراض؟) بكسر [ ص: 378 ] الميم وسكون المهملة، وآخره معجمة. قال الهروي والخليل، وتبعهما جماعة: هو سهم، لا ريش له ولا نصل. وقال ابن دريد، وتبعه ابن سيده: هو سهم طويل، له أربع قذذ رقاق. فإذا رمي به; اعترض . وقال الخطابي : نصل عريض، له ثقل ورزانة. وقيل: عود رقيق الطرفين، غليظ الوسط. إذا رمي به; ذهب مستويا. وقيل: خشبة ثقيلة، آخرها عصا محدد رأسها، وقد لا يحدد. قال في النيل: وقوى هذا الأخير: النووي تبعا لعياض . قلت: ولفظه في شرح مسلم: هي خشبة ثقيلة، أو عصا في طرفها حديدة. وقد تكون بغير حديدة. هذا هو الصحيح في تفسيره. انتهى. وقال القرطبي: إنه المشهور.

وقال ابن التين : عصا في طرفها حديدة يرمي بها الصائد. فما أصاب بحده; فهو ذكي فيؤكل. وما أصاب بغير حده; فهو وقيذ.

( فقال: إذا أصاب بحده; فكل. وإذا أصاب بعرضه) بفتح العين ( فقتل; فإنه وقيذ) . أي: مقتول بغير محدد. "والموقوذة": المقتولة بالعصا ونحوها. وأصله من الكسر والرض. ( فلا تأكل) .

قوله: "بعرضه" معناه: بغير طرفه المحدد. ولفظ النووي : أي غير المحدد منه. انتهى.

[ ص: 379 ] وهو حجة للجمهور في التفصيل المذكور. وبه قال الأئمة الأربعة الفقهاء.

وعن الأوزاعي وغيره من فقهاء الشام: يحل مطلقا. والحديث يرد عليهم.

( وسألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الكلب؟ فقال: إذا أرسلت كلبك، وذكرت اسم الله; فكل. فإن أكل منه; فلا تأكل) . هذا الحديث: صريح في منع أكل ما أكلت منه الجارحة. وتقدم الكلام على هذا المقام.

قال النووي : وأما جوارح الطير إذا أكلت مما صادته، فالأصح عند الشافعية والراجح من قول الشافعي : تحريمه. وقال سائر العلماء: بإباحته. لأنه لا يمكن تعليمها ذلك، بخلاف السباع. قال: وأصحابنا يمنعون هذا الدليل. انتهى.

قلت: وفي حديث آخر عن عدي; يرفعه: "ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته، وذكرت اسم الله عليه: فكل ما أمسك عليك. قلت: وإن قتل؟ قال: وإن قتل ولم يأكل منه شيئا، فإنما أمسكه عليك". رواه أحمد، وأبو داود . وفيه: دليل على إمكان تعليم جوارح الطير ذلك. فالحق كما قاله الشافعي .

واستدل بالحديث: على مشروعية التسمية. وهو مجمع على ذلك".

[ ص: 380 ] إنما الخلاف في: كونها شرطا في حل الأكل;

فذهب أبو حنيفة وأصحابه، وأحمد: إلى أنها شرط.

وذهب ابن عباس، وأبو هريرة، وطاوس، والشافعي "رحمه الله" ، ومالك: أنها "سنة". فمن تركها عندهم عمدا أو سهوا: لم يقدح في حل الأكل.

ومن أدلة القائلين بأن التسمية "شرط": قوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه . فهذه الآية فيها: النهي عن أكل ما لم يسم عليه. وفي أحاديث الباب: إيقاف الإذن في الأكل عليها . والمعلق بالوصف ينتفي عند انتفائه، عند من يقول بالمفهوم. والشرط أقوى من الوصف. ويتأكد القول بالوجوب: بأن الأصل تحريم الميتة. وما أذن فيه منها، تراعى صفته. فالمسمى عليها: وافق الوصف. وغير المسمى: باق على أصل التحريم.

واختلفوا إذا تركها ناسيا;

فعند أبي حنيفة، ومالك، والثوري، وجماهير العلماء: أن الشرطية إنما هي في حق الذاكر. فيجوز أكل ما تركت التسمية عليه سهوا، لا عمدا.

[ ص: 381 ] وذهب داود، والشعبي، وأبو ثور: إلى أنها شرط مطلقا. لأن الأدلة لم تفصل.

واختلف الأولون "في العمد": هل يحرم الصيد ونحوه، أم يكره؟

فعند الحنفية: يحرم. وعند الشافعية : في العمد ثلاثة أوجه; أصحها: يكره الأكل. وقيل: خلاف الأولى. وقيل: يأثم بالترك، ولا يحرم الأكل.

والمشهور عن أحمد: التفرقة بين الصيد والذبيحة; فذهب في الذبيحة إلى هذا القول الثالث.

وحجة القائلين "بعدم وجوب التسمية" مطلقا: حديث عائشة "رضي الله عنها": "أن قوما يأتوننا باللحم، لا ندري: أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سموا عليه أنتم". ووجه الاستدلال: أن التسمية لو كانت شرطا; لم تستبح الذبيحة بالأمر المشكوك فيه.

ومما يدل على عدم الاشتراط: قوله تعالى: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم . فأباح الأكل من ذبائحهم; مع وجود الشك في أنهم سموا أم لا؟ والله أعلم.

[ ص: 382 ] ( فإنه إنما أمسك على نفسه) . قال الشافعي في أصح قوليه: إذا قتلته الجارحة المعلمة من الكلاب والسباع، وأكلت منه; فهو حرام: لأنها أمسكته على نفسها. وبه قال أكثر العلماء. منهم: ابن عباس، وأبو هريرة، وعطاء، وسعيد بن جبير، والحسن، والشعبي، والنخعي، وعكرمة، وقتادة، وأبو حنيفة وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر، وداود .

وقال سعد بن أبي وقاص، وسلمان الفارسي، وابن عمر، ومالك : يحل. واحتج هؤلاء بحديث " أبي ثعلبة ". وحملوا حديث " عدي " هذا: على كراهة التنزيه. وتقدم: أن حديث عدي ; مقدم على حديث " أبي ثعلبة "; لأنه أصح.

ومنهم من تأول حديث " أبي ثعلبة ": على ما إذا أكل منه بعد أن قتله وخلاه وفارقه، ثم عاد فأكل منه. فهذا لا يضر .

وفي رواية أخرى: "إني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه". معناه: إنما إباحته; بشرط أن نعلم أنه أمسك علينا. وإذا أكل منه، [ ص: 383 ] لم نعلم أنه أمسك علينا أم لنفسه; فلم يوجد شرط إباحته. والأصل تحريمه.

( قلت: فإن وجدت مع كلبي كلبا آخر، فلا أدري أيهما أخذه؟ قال: فلا تأكل. فإنما سميت على كلبك، ولم تسم على غيره) .

فيه: دليل على أن من وجد الصيد ميتا، ومع كلبه كلب آخر، وحصل اللبس عليه أيهما القاتل له : أنه لا يحل الصيد. لأنه لم يسم إلا على كلبه. بخلاف ما لو وجده حيا، فإنه يذكيه. ويحل أكله بالتذكية.

وفي رواية أخرى: "إن وجدت عنده كلبا آخر، فخشيت أن يكون أخذه معه وقد قتله: فلا تأكل. إنما ذكرت اسم الله على كلبك، ولم تذكره على غيره".

وفي الباب: أحاديث تدل على هذا الحكم، وعلى كون التسمية شرطا في حل الأكل.

التالي السابق


الخدمات العلمية