السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2941 باب: إباحة اقتناء كلب الصيد والماشية

وقال النووي : ( باب الأمر بقتل الكلاب، وبيان نسخه. وبيان تحريم اقتنائها، إلا لصيد أو زرع أو ماشية، ونحو ذلك) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص238 ج10 المطبعة المصرية

[عن سالم; عن أبيه; عن النبي صلى الله عليه وسلم; قال: "من اقتنى كلبا; [ ص: 386 ] إلا كلب صيد أو ماشية: نقص من أجره كل يوم، قيراطان" ].


(الشرح)

( عن ابن عمر ) رضي الله عنهما; ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم; قال: من اقتنى كلبا، إلا كلب صيد أو ماشية) . زاد في رواية أخرى: "أو ضاريا". وفي لفظ: "إلا كلب ضارية، أو ماشية".

"وأو" هنا: للتنويع، لا للترديد. وهو ما يتخذ من الكلاب لحفظ الماشية عند رعيها.

( نقص من أجره) وفي رواية: من عمله ( كل يوم قيراطان) . وفي لفظ: "قيراط". والحديث: له طرق وألفاظ. قال النووي : مذهبنا: أنه يحرم اقتناء الكلب بغير حاجة. ويجوز اقتناؤه للصيد وللزرع وللماشية. وهل يجوز لحفظ الدور والدواب ونحوها؟ فيه وجهان; أحدهما: لا يجوز; لظواهر الأحاديث. فإنها مصرحة بالنهي; إلا لزرع، أو صيد، أو ماشية.

وأصحهما: يجوز; قياسا على الثلاثة، عملا بالعلة المفهومة من الأحاديث: وهي الحاجة. [ ص: 387 ] وهل يجوز اقتناء الجرو وتربيته للصيد، أو للزرع، أو الماشية؟ فيه وجهان;

أصحهما: جوازه. انتهى.

قال: ورواية "عمله" معناه: من أجر عمله. وأما "القيراط" فهو هنا: مقدار معلوم عند الله تعالى. والمراد: نقص جزء من أجر عمله. واختلاف الرواية في قيراط، وقيراطين; فقيل: يحتمل أنه في نوعين من الكلاب; أحدهما أشد أذى من الآخر. أو لمعنى فيهما.

أو يكون ذلك مختلفا باختلاف المواضع; فيكون القيراطان في المدينة خاصة، لزيادة فضلها، والقيراط في غيرها. أو القيراطان في المدائن ونحوها من القرى، والقيراط في البوادي.

أو يكون ذلك في زمنين; فذكر القيراط أولا. ثم زاد التغليظ فذكر القيراطين. انتهى. وهذا الأخير هو الظاهر. لأن الحديث لم يفصل. قال الروياني: المراد بما ينقص منه: ما مضى من عمله. وقيل: من مستقبله. وقيل: ينقص قيراط من عمل النهار، وقيراط من عمل الليل. أو قيراط من عمل الفرض، وقيراط من عمل النفل. انتهى. وأقول: هذا الخوض في محل نقص القيراطين; لا يأتي بفائدة. ولا يعود بعائدة.

[ ص: 388 ] وكذا التفصيل السابق في تأويل القيراطين والقيراط. ويكفي للمسلم: أن يعتقد نقص ذلك، ويكل علمه إلى الله تعالى، ولا يفصل ولا يخوض. ومن حسن إسلام المرء: تركه ما لا يعنيه.

ثم اختلفوا في سبب نقصان الأجر، باقتناء الكلب;

فقيل: لامتناع الملائكة من دخول بيته بسببه.

وقيل: لما يلحق المارين من الأذى، من ترويع الكلب لهم وقصده إياهم.

وقيل: إن ذلك عقوبة له; لاتخاذه ما نهي عن اتخاذه، وعصيانه في ذلك.

وقيل: لما يبتلى به من ولوغه في غفلة صاحبه، ولا يغسله بالماء والتراب. قاله النووي . قلت: ولا مانع من إرادة الجميع. وبعض هذه الوجوه: قد ورد في بعض الأحاديث.

روي: أن "المنصور بالله" سأل عمرو بن عبيد; عن سبب هذا الحديث؟ فلم يعرفه. فقال المنصور: لأنه ينبح الضيف، ويردع السائل.

[ ص: 389 ] قال ابن عبد البر : في هذه الأحاديث: "إباحة اتخاذ الكلب" للصيد، والماشية. وكذلك للزرع; لأنها زيادة "حافظ" . وكراهة اتخاذها لغير ذلك. إلا أنه يدخل في معنى الصيد وغيره مما ذكر: اتخاذها لجلب المنافع ودفع المضار; قياسا. فتمحض كراهة اتخاذها لغير حاجة.

قال: ووجه الحديث عندي: أن المعاني المتعبد بها في الكلاب، من غسل الإناء سبعا: لا يكاد يقوم بها المكلف، ولا يتحفظ منها. فربما دخل عليه باتخاذها: ما ينقص أجره من ذلك.

قال في النيل: اتفقوا على أن المأذون في اتخاذه: ما لم يحصل الاتفاق على قتله: وهو الكلب العقور. وأما غير العقور; فقد اختلف: هل يجوز قتله أم لا؟

واستدل بأحاديث الباب: على طهارة الكلب المأذون باتخاذه. لأن في ملابسته مع الاحتراز عنه: مشقة شديدة. فالإذن باتخاذه: إذن بمكملات مقصودة. كما أن المنع من اتخاذه: مناسب للمنع منه. قال: وهو [ ص: 390 ] استدلال قوي - كما قال الحافظ - لا يعارضه إلا عموم الخبر في الأمر بغسل ما ولغ فيه الكلب، من غير تفصيل. وتخصيص العموم غير مستنكر; إذا سوغه الدليل. انتهى.

التالي السابق


الخدمات العلمية