السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3637 [ ص: 432 ] باب : ذبح النبي صلى الله عليه وآله وسلم الضحية عنه وعن آله وأمته

وذكره النووي في : ( الباب المتقدم) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 121 ، 122 ج 13 المطبعة المصرية

[عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتي به، ليضحي به. فقال لها: "يا عائشة! هلمي المدية". ثم قال: "اشحذيها بحجر" ففعلت. ثم أخذها، وأخذ الكبش فأضجعه. ثم ذبحه. ثم قال: "باسم الله. اللهم! تقبل من محمد وآل محمد. ومن أمة محمد". ثم ضحى به] .


(الشرح)

( عن عائشة) رضي الله عنها ؛ ( أن رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم : أمر بكبش أقرن ، يطأ في سواد ، ويبرك في سواد ، وينظر في سواد) . أي : بطنه ، وقوائمه ، وما حول عينيه : سود .

( فأتي به ، ليضحي به . فقال لها : " يا عائشة ! هلمي المدية ") .

أي : هاتيها . وهي بضم الميم وكسرها وفتحها . وهي "السكين ".

[ ص: 433 ] ( ثم قال : " اشحذيها بحجر ") . هو بالشين المعجمة ، والحاء المهملة المفتوحة ، وبالذال المعجمة . أي : حدديها. وهذا موافق للحديث السابق ، في الأمر بإحسان القتلة والذبح ، وإحداد الشفرة .

قال في النيل : فيه استحباب إحسان الذبح ، وكراهة التعذيب . كأن يذبح بما في حده ضعف .

( ففعلت . ثم أخذها ، وأخذ الكبش فأضجعه ، ثم ذبحه . ثم قال : " باسم الله . اللهم ! تقبل من محمد وآل محمد . ومن أمة محمد " . ثم ضحى به) . هذا الكلام فيه تقديم وتأخير . وتقديره : فأضجعه ، وأخذ في ذبحه قائلا : " باسم الله ... إلخ " ، مضحيا به . ولفظة : "ثم " هنا متأولة على ما ذكرته بلا شك .

قال النووي: وفيه استحباب إضجاع الغنم في الذبح ، وأنها لا تذبح قائمة ولا باركة ، بل مضجعة . لأنه أرفق بها . قال : وبهذا جاءت الأحاديث ، وأجمع المسلمون عليه . واتفق العلماء وعمل المسلمين : على أن إضجاعها يكون على جانبها الأيسر ، لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين ، وإمساك رأسها باليسار . انتهى .

[ ص: 434 ] وفيه : استحباب قول المضحي به : باسم الله . واستحباب قوله حال الذبح " مع التسمية والتكبير " : اللهم ! تقبل مني . قالت الشافعية : ويستحب معه : " اللهم ! منك وإليك . تقبل مني ". وبه قال الحسن ، وجماعة . وكرهه أبو حنيفة . وكره مالك : " اللهم ! منك وإليك "، وقال : هي بدعة . انتهى .

وأقول : يرد عليهما : حديث جابر عند ابن ماجه يرفعه . وفيه : " قال : اللهم ! منك ولك . عن محمد وأمته " .

وفي رواية أخرى عنه : " اللهم ! هذا عني ، وعمن لم يضح من أمتي ". رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي .

وفي رواية عن علي يرفعه ، عند أحمد : " اللهم ! هذا عن أمتي جميعا ، من شهد لك بالتوحيد ، وشهد لي بالبلاغ ".

وهذه الأحاديث : تدل على أنه يجوز للرجل ، أن يضحي عنه وعن أتباعه وأهله ، ويشركهم معه في الثواب . وبه قال الجمهور ، والشافعية .

وكرهه الثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه . والأحاديث ترد عليهم . ويرد عليهم أيضا : حديث الباب

، وحديث أبي أيوب : " أن الرجل ، كان يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم " . قال النووي : وزعم الطحاوي : أن هذا [ ص: 435 ] الحديث منسوخ ، أو مخصوص . قال : وغلطه العلماء في ذلك . فإن النسخ والتخصيص، لا يثبتان بمجرد الدعوى . انتهى .

قال في النيل : وقد تمسك بحديث الباب

، وما في معناه : من قال : " إن الأضحية غير واجبة ، بل سنة ". وهم الجمهور . وبه قال أحمد ، ومالك ، وأبو يوسف ، وداود ، وغيرهم ، وجماعة من الصحابة .

وقال أبو حنيفة وغيره : إنها واجبة على الموسر المقيم ، يملك نصابا . قال النخعي : إلا الحاج بمنى .

وقال محمد : واجبة على المقيم بالأمصار .

قال ابن حزم : لا يصح عن أحد من الصحابة : أنها واجبة . ولا خلاف في كونها من شرائع الدين .

ووجه الدلالة على عدم الوجوب : أن الظاهر : أن تضحيته صلى الله عليه وآله وسلم عن أمته ، وعن أهله : تجزئ كل من لم يضح. سواء كان متمكنا من الأضحية ، أو غير متمكن .

[ ص: 436 ] ويمكن أن يجاب عن ذلك : بأن حديث "على أهل كل بيت أضحية " : يدل على وجوبها على أهل كل بيت يجدونها . فيكون قرينة على أن تضحيته صلى الله عليه وآله وسلم ، عن غير الواجدين من أمته . انتهى .

قلت : ولكن يعارضه لفظ : " هذا عن أمتي جميعا ". كما تقدم .

قال في النيل : ولو سلم ظهور المدعى ، فلا دلالة له على عدم الوجوب . لأن محل النزاع : "من لم يضح عن نفسه ، ولا ضحى عنه غيره" . فلا يكون عدم وجوبها على من كان في عصره من الأمة ، مستلزما لعدم وجوبها على من كان في غير عصره منهم . ثم ذكر أدلة القائلين بعدم الوجوب ، والقائلين بالوجوب . وقال : لم يأت من قال بعدم الوجوب : بما يصلح للصرف . أي : لصرف الأدلة الدالة على وجوبها . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية