السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3652 [ ص: 443 ] باب : في الفرع والعتيرة

ومثله في : ( النووي) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 135 ، 136 ج 13 المطبعة المصرية

[عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا فرع ولا عتيرة". زاد ابن رافع في روايته: والفرع: أول النتاج. كان ينتج لهم فيذبحونه.]


(الشرح)

( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ؛ ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم : لا فرع) .

قال النووي : قال أهل اللغة وغيرهم : " الفرع " : بفاء ثم راء مفتوحتين ، ثم عين مهملة . ويقال فيه : " الفرعة " بالهاء . قال الشافعي وأصحابه ، وآخرون : هو أول نتاج البهيمة ، كانوا يذبحونه ولا يملكونه ، رجاء البركة في الأم وكثرة نسلها . وهكذا فسره كثيرون من أهل اللغة وغيرهم .

وقال كثيرون منهم : هو أول النتاج . كانوا يذبحونه لآلهتهم ، وهي طواغيتهم . وكذا جاء هذا التفسير في صحيح البخاري ، وسنن أبي داود .

[ ص: 444 ] وقيل : هو أول النتاج ، لمن بلغت إبله مائة ، يذبحونه .

وقال شمر : قال أبو مالك : كان الرجل إذا بلغت إبله مائة ، قدم بكرا فنحره لصنمه . ويسمونه " الفرع" .

( ولا عتيرة) . بفتح العين المهملة ، وكسر التاء ، وسكون الياء بعدها راء . وهي " ذبيحة " كانوا يذبحونها في العشر الأول من رجب . ويسمونها : " الرجبية " أيضا . واتفق العلماء على تفسير العتيرة بهذا .

قال النووي : وقد صح الأمر بالعتيرة والفرع : في غير هذا الحديث .

وجاءت به أحاديث ؛

منها حديث " نبيشة "، قال : "نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقال : إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية ، في رجب. قال : اذبحوا لله في أي شهر كان ، وبروا الله . وأطعموا . قال : إنا كنا نفرع فرعا في الجاهلية . فما تأمرنا ؟ فقال : في كل سائمة : فرع تغذوه [ ص: 445 ] ماشيتك حتى إذا استحمل ذبحته ، فتصدقت بلحمه " . رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة . قال ابن المنذر : هو حديث صحيح . قال أبو قلابة أحد رواة هذا الحديث : " السائمة " : مائة . ورواه البيهقي بإسناده الصحيح : " عن عائشة ، قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالفرعة ، من كل خمسين : واحدة " . وفي رواية : " من كل خمسين شاة : شاة " . قال ابن المنذر : حديث "عائشة " صحيح . وفي "سنن أبي داود" ، عن عمرو بن شعيب عن أبيه ( قال الراوي : أراه عن جده) ؛ قال : سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الفرع ؟ قال : الفرع حق . وأن تتركوه حتى يكون بكرا، أو ابن مخاض ، أو ابن لبون : فتعطيه أرملة ، أو تحمل عليه في سبيل الله : خير من أن تذبحه فيلزق لحمه بوبره ، وتكفأ إناءك ، وتوله ناقتك " .

وروى البيهقي بإسناده : "عن الحارث بن عمر، قال : أتيت النبي [ ص: 446 ] صلى الله عليه وآله وسلم ، بعرفات ( أو قال بمنى) . وسأله رجل عن العتيرة ؟ فقال : من شاء ، عتر . ومن شاء ، لم يعتر . ومن شاء ؛ فرع. ومن شاء ، لم يفرع".

"وعن أبي رزين ، قال : يا رسول الله ! إنا كنا نذبح في الجاهلية ذبائح في رجب ، فنأكل منها ونطعم . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا بأس بذلك" .

وعن أبي رملة ، عن مخنف بن سليم ؛ قال : كنا وقوفا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعرفات ، فسمعته يقول : يا أيها الناس ! إن على أهل كل بيت ، في كل عام : أضحية ، وعتيرة . هل تدري ما العتيرة ؟ هي التي تسمى : " الرجبية " . رواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وغيرهم . قال الترمذي : حديث حسن . وقال الخطابي : هذا الحديث ضعيف المخرج . لأن "أبا رملة " مجهول .

قال النووي : هذا مختصر ما جاء من الأحاديث ، في الفرع والعتيرة .

قال : والصحيح عند أصحابنا ، وهو نص الشافعي : استحباب الفرع [ ص: 447 ] والعتيرة . وأجابوا عن حديث : "لا فرع ولا عتيرة " بثلاثة أوجه ؛ أحدها : أن المراد : في الوجوب . أي : لا فرع واجب . ولا عتيرة واجبة .

الثاني : أن المراد : نفي ما كانوا يذبحون لأصنامهم .

والثالث : أنهما ليسا كالأضحية في الاستحباب ، أو في ثواب إراقة الدم . فأما تفرقة اللحم على المساكين فبر وصدقة . ونص الشافعي : أنها إن تيسرت كل شهر ، كان حسنا .

وادعى عياض : أن جماهير العلماء ، على نسخ الأمر بالفرع والعتيرة .

والله أعلم . انتهى كلام النووي .

قلت : " حديث مخنف " ضعيف ، لا تقوم به الحجة . قال أبو بكر المعافري : هذا الحديث لا يحتج به . والأحاديث المذكورة يدل بعضها : على وجوبهما . وهو حديث نبيشة ، وحديث عائشة ، وحديث عمرو بن شعيب .

وبعضها : يدل على مجرد الجواز . وهو حديث الحارث وأبي رزين . فيكون هذان الحديثان ، كالقرينة الصارفة للأحاديث المقتضية للوجوب : إلى الندب . وقد اختلف في الجمع بين هذه الأحاديث والأحاديث القاضية : بالمنع من الفرع؛

[ ص: 448 ] فقيل : إنه يجمع بينها ، بحمل هذه الأحاديث على الندب ، وحمل الأحاديث المانعة على عدم الوجوب . ذكر ذلك جماعة ، منهم : الشافعي ، والبيهقي ، وغيرهما . وهذا لا بد منه مع عدم العلم بالتاريخ .

لأن المصير إلى الترجيح مع إمكان الجمع : لا يجوز . كما تقرر في موضعه .

وقد ذهب جماعة من أهل العلم : أن هذه الأحاديث منسوخة . ولكنه لا يجوز الجزم به ، إلا بعد ثبوت أنها متأخرة . ولم يثبت . قال الشوكاني في نيل الأوطار ، بشرح منتقى الأخبار : قد تقرر : أن النكرة الواقعة في سياق النفي تعم . فيشعر ذلك بنفي كل فرع وكل عتيرة . والخبر محذوف . وقد تقرر في الأصول : أن المقتضي لا عموم له ، فيقدر واحد، وهو ألصقها بالمقام . وقد تقدم : أن المحذوف ، هو لفظ " واجب وواجبة " . ولكن إنما حسن المصير إلى أن المحذوف هو ذلك : الحرص على الجمع بين الأحاديث . ولولا ذلك لكان المناسب تقدير : " ثابت في الإسلام " . أو " مشروع". أو " حلال " . كما يرشد إلى ذلك التصريح بالنهي في الرواية الأخرى . قال : وقد عرفت : أن النسخ لا يتم ، إلا بعد معرفة تأخر تاريخ ما قيل : إنه ناسخ . فأعدل الأقوال : الجمع بين الأحاديث بما سلف . ولا يعكر على ذلك : رواية النهي . لأن معنى النهي الحقيقي ، وإن كان هو التحريم ، لكن إذا وجدت قرينة : [ ص: 449 ] أخرجته عن ذلك . ويمكن أن يجعل النهي موجها إلى ما كانوا يذبحونه لأصنامهم . فيكون على حقيقته . ويكون غير متناول لما ذبح من الفرع والعتيرة لغير ذلك ، مما فيه وجه قربة . انتهى .

( زاد ابن رافع في روايته : والفرع : أول النتاج . كان ينتج لهم فيذبحونه) . تقدم : اختلاف العلماء في تفسيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية