السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3736 [ ص: 469 ] باب: من شرب الخمر في الدنيا ، لم يشربها في الآخرة، إلا أن يتوب

وقال النووي : (باب عقوبة من شرب الخمر - إذا لم يتب منها -: بمنعه إياها في الآخرة) .

[ (عن ابن عمر) رضي الله عنهما، (أن رسول الله صلى الله عليه) (وسلم قال: "من شرب الخمر في الدنيا، لم يشربها في الآخرة إلا أن يتوب ") . وفي رواية أخرى : " من شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها ، ولم يتب : لم يشربها في الآخرة ". وفي أخرى : " حرمها في الآخرة ". وفي أخرى : "فلم يسقها " ].


(الشرح)

و" حرم " بضم الحاء وكسر الراء الخفيفة : من الحرمان .

قال النووي : معناها : أنه يحرم شربها في الجنة ، وإن دخلها . فإنها من فاخر شراب الجنة . فيمنعها هذا العاصي بشربها في الدنيا .

[ ص: 470 ] قال : قيل : إنه ينسى شهوتها . لأن الجنة فيها كل ما يشتهي . وقيل : لا يشتهيها وإن ذكرها . ويكون هذا نقص نعيم في حقه ، تمييزا بينه وبين تارك شربها . انتهى .

قال البغوي ( في شرح السنة) : معناه : لا يدخل الجنة . لأن الخمر شراب أهل الجنة . فإذا حرم شربها ، دل على أنه لا يدخل الجنة .

وقال ابن عبد البر : هذا وعيد شديد ، يدل على حرمان دخول الجنة ، لأن الله تعالى أخبر : أن في الجنة أنهارا من خمر لذة للشاربين . وأنهم لا يصدعون عنها ولا ينزفون . فلو دخلها " وقد علم أن فيها خمرا ، وأنه حرمها عقوبة له " : لزم وقوع الهم والحزن . والجنة لا هم فيها ولا حزن . وإن لم يعلم بوجودها في الجنة ، ولا أنه حرمها عقوبة له : لم يكن عليه في فقدها ألم . فلهذا قال بعض العلماء : إنه لا يدخل الجنة أصلا . قال : وهو مذهب غير مرضي .

قال : ويحمل الحديث عند أهل السنة : على أنه لا يدخلها ، ولا يشرب الخمر فيها ، إلا إن عفا الله عنه . كما في بقية الكبائر . وهو في المشيئة . فعلى هذا ؛ معنى الحديث : جزاؤه في الآخرة أن يحرمها [ ص: 471 ] لحرمانه دخول الجنة ، إلا إن عفا الله عنه . قال : وجائز أن يدخل الجنة بالعفو ، ثم لا يشرب فيها خمرا ولا تشتهيها نفسه ، وإن علم بوجودها فيها . ويؤيده : حديث أبي سعيد مرفوعا : "من لبس الحرير في الدنيا ، لم يلبسه في الآخرة . وإن دخل الجنة، لبسه أهل الجنة ، ولم يلبسه" .

وقد أخرجه الطبراني ، وصححه ابن حبان . وقريب منه : حديث ابن عمرو ؛ رفعه : "من مات من أمتي - وهو يشرب الخمر - : حرم الله عليه شربها في الجنة " . أخرجه أحمد بسند حسن . وقد زاد عياض على ما ذكره ابن عبد البر : احتمالا . وهو : أن المراد بحرمانه شربها : أنه يحبس عن الجنة مدة ، إذا أراد الله عقوبته . ومثله : الحديث الآخر : لم يرح رائحة الجنة " .

قال النووي : وفي هذا الحديث " أي: حديث الباب ": دليل على أن التوبة تكفر المعاصي الكبائر . وهو مجمع عليه . واختلف متكلمو أهل السنة : في أن تكفيرها قطعي أو ظني . قال : وهو الأقوى . انتهى . أي : كونه ظنيا . وقال القرطبي : من استقرأ الشريعة ، علم أن الله يقبل توبة الصادقين قطعا . وللتوبة الصادقة شروط مدونة في مواطن ذلك .

وظاهر الوعيد : أنه يتناول من شرب الخمر ، وإن لم يحصل له [ ص: 472 ] السكر . لأنه رتب الوعيد في الحديث ، على مجرد الشرب ، من غير تقييد . قال في الفتح : وهو مجمع عليه ، في الخمر المتخذ من عصير العنب . وكذا فيما يسكر من غيرها . وأما ما لا يسكر من غيرها ، فالأمر فيه كذلك عند الجمهور .

التالي السابق


الخدمات العلمية