السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3829 [ ص: 581 ] باب: في إيثار الضيف

وقال النووي : (باب إكرام الضيف وفضل إيثاره) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 11 : 13 ج 14 المطبعة المصرية

[عن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني مجهود. فأرسل إلى بعض نسائه. فقالت: والذي بعثك بالحق! ما عندي إلا ماء. ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك. حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق! ما عندي إلا ماء. فقال: "من يضيف هذا، الليلة، رحمه الله". فقام رجل من الأنصار، فقال: أنا. يا رسول الله ! فانطلق به إلى رحله. فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا. إلا قوت صبياني . قال: فعلليهم بشيء. فإذا دخل ضيفنا، فأطفئي السراج، وأريه أنا نأكل. فإذا أهوى ليأكل، فقومي إلى السراج حتى تطفئيه. قال: فقعدوا وأكل الضيف. فلما أصبح، غدا على النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: "قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما، الليلة" ].


(الشرح)

( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ؛ ( قال : جاء أعرابي إلى [ ص: 582 ] رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم ، فقال : إني مجهود) . أي : أصابني الجهد . وهو المشقة ، والحاجة ، وسوء العيش ، والجوع.

( فأرسل إلى بعض نسائه . فقالت : والذي بعثك بالحق ! ما عندي إلا ماء . ثم أرسل إلى أخرى ، فقالت مثل ذلك . حتى قلن كلهن مثل ذلك : لا. والذي بعثك بالحق ! ما عندي إلا ماء) .

فيه : ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته ، من الزهد في الدنيا . والصبر على الجوع. وضيق حال الدنيا .

( فقال : من يضيف هذا ، الليلة ، رحمه الله تعالى) .

فيه : أنه ينبغي لكبير القوم : أن يبدأ في مواساة الضيف ، ومن يطرقهم ؛ فيواسيه من ماله أولا بما تيسر ، إن أمكنه . ثم يطلب له - على سبيل التعاون على البر والتقوى - من أصحابه .

وفيه : المواساة في حال الشدائد ، وفضيلة إكرام الضيف ، وإيثاره .

( فقام رجل من الأنصار ، فقال : أنا . يا رسول الله ! فانطلق به إلى رحله) . أي : منزله . ورحل الإنسان : هو منزله من حجر ، أو مدر ، أو شعر ، أو وبر .

( فقال لامرأته : هل عندك شيء ؟ قالت : لا. إلا قوت صبياني . قال : فعلليهم بشيء) . هذا محمول ؛ على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين [ ص: 583 ] إلى الأكل ، وإنما تطلبه أنفسهم على عادة الصبيان ، من غير جوع يضرهم . فإنهم لو كانوا على حاجة ؛ بحيث يضرهم ترك الأكل : لكان إطعامهم واجبا . ويجب تقديمه على الضيافة . وقد أثنى الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ على هذا الرجل وامرأته ، فدل على أنهما لم يتركا واجبا . بل أحسنا وأجملا ، رضي الله عنهما .

( فإذا دخل ضيفنا ، فأطفئي السراج ، وأريه أنا نأكل . فإذا أهوى ليأكل ؛ فقومي إلى السراج حتى تطفئيه . قال : فقعدوا وأكل الضيف) .

فيه : أنهما آثراه على أنفسهما برضاهما ؛ مع حاجتهما وخصاصتهما . فمدحهما الله تعالى ، وأنزل فيهما : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) .

فيه : فضيلة " الإيثار " والحث عليه .

قال النووي : وقد أجمع العلماء على فضيلة الإيثار بالطعام ، ونحوه من أمور الدنيا ، وحظوظ النفس . أما " القربات " ؛ فالأفضل أن يؤثر بها . لأن الحق فيها لله تعالى .

( فلما أصبح ، غدا على النبي صلى الله عليه وآله ( وسلم . فقال : " قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما ؛ الليلة ") .

[ ص: 584 ] فيه : معجزة ظاهرة ، لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . حيث أخبر بهذه القصة ، قبل أن يخبره بها الأنصاري .

قال عياض : المراد بالعجب من الله : رضاه ذلك . قال : وقد يكون المراد : عجبت الملائكة . وأضافه إليه سبحانه تشريفا . انتهى .

وأقول : هذا هو التأويل ، الذي اختاره الخلف لأحاديث الصفات ؛ من غير قرآن ولا برهان . وقد درج السلف الصالح على إجرائها ، وإمرارها على ظاهرها ، من دون تشبيه ولا تأويل ولا تكييف ولا تمثيل . وهو الحق البحت ، والصواب الصرف ، في هذا الباب . وما لنا وللتأويل ، الذي هو في الحقيقة فرع التكذيب . ويكفينا في هذه المسائل : أن نؤمن بها كما جاءت . ولا نقول : كيف وكذا ؟.

التالي السابق


الخدمات العلمية