السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3855 باب: الرخصة في لبنة الثوب من ديباج

وأورده النووي في: (باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة.. إلخ).

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 42، 43، جـ 14 المطبعة المصرية

[ عن عبد الله (مولى أسماء بنت أبي بكر )، وكان خال ولد عطاء ؛ قال: أرسلتني أسماء إلى عبد الله بن عمر . فقالت: بلغني أنك تحرم أشياء ثلاثة: العلم في الثوب، وميثرة الأرجوان، وصوم رجب كله. فقال لي عبد الله : أما ما ذكرت من رجب؛ فكيف بمن يصوم الأبد؟ وأما ما ذكرت من العلم في الثوب؛ فإني سمعت عمر بن الخطاب ، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: إنما يلبس الحرير من لا خلاق له . فخفت أن يكون العلم منه. وأما ميثرة الأرجوان؛ فهذه ميثرة عبد الله . فإذا هي أرجوان.

[ ص: 27 ] فرجعت إلى أسماء فخبرتها، فقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخرجت إلي جبة طيالسة كسروانية، لها لبنة ديباج. وفرجيها مكفوفين بالديباج. فقالت: هذه كانت عند عائشة حتى قبضت. فلما قبضت؛ قبضتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها. فنحن نغسلها للمرضى؛ يستشفى بها
.


(الشرح)

(عن عبد الله، مولى أسماء بنت أبي بكر، وكان خال ولد عطاء؛ قال: أرسلتني أسماء إلى عبد الله بن عمر)، رضي الله عنهم. (فقالت: بلغني أنك تحرم أشياء ثلاثا: العلم في الثوب، وميثرة الأرجوان).

"الميثرة": بكسر الميم وبالثاء: "مفعلة". مأخوذة من "الوثارة". يقال: "وثر" بضم الثاء، "وثارة" بفتح الواو. فهو "وثير". أي: وطيء لين.

"والوثارة": هي اللين والنعمة. وياء "ميثرة" واو. ولكنها قلبت لكسر ما قبلها، كميزان وميعاد.

قال النووي : قال العلماء: هي "وطاء"، كانت النساء [ ص: 28 ] يصنعنه لأزواجهن على السروج. وكان من مراكب العجم. ويكون من الحرير، ويكون من الصوف وغيره. وقيل: أغشية للسروج؛ تتخذ من الحرير. وقيل: هي سروج من الديباج. وقيل: هي شيء كالفراش الصغير، تتخذ من حرير، تحشى بقطن أو صوف، يجعلها الراكب على البعير تحته، فوق الرحل.

"والأرجوان": بضم الهمزة والجيم. وهو الصواب المعروف، في روايات الحديث، وفي كتب الغريب، وفي كتب اللغة وغيرها. وكذا صرح به "القاضي". في "المشارق".

وفي شرحه؛ في موضعين منه: بضم الجيم وفتح الهمزة. قال النووي : وهذا غلط ظاهر؛ من النساخ، لا من القاضي. فإنه صرح في "المشارق": بضم الهمزة. قال أهل اللغة وغيرهم: هو صبغ أحمر، شديد الحمرة. هكذا قاله أبو عبيد والجمهور. وقال الفراء: هو الحمرة. وقال ابن فارس: هو كل لون أحمر. وقيل: هو الصوف الأحمر. وقال الجوهري : هو شجر له نور أحمر، أحسن ما يكون.

قال: وهو معرب. وقال آخرون: هو عربي. قالوا: والذكر والأنثى فيه: سواء. يقال: هذا ثوب أرجوان. وهذه قطعة أرجوان. وقد يقولونه على الصفة. ولكن الأكثر في استعماله: إضافة الأرجوان إلى [ ص: 29 ] ما بعده. ثم إن أهل اللغة ذكروه في (باب: الراء والجيم والواو). وهذا هو الصواب. ولا يغتر بذكر عياض له في "المشارق"؛ في (باب: الهمزة والراء والجيم). ولا بذكر ابن الأثير له في (باب: الراء والجيم والنون). والله أعلم بالصواب.

(وصوم رجب كله. فقال لي عبد الله: أما ما ذكرت من رجب؛ فكيف بمن يصوم الأبد؟ وأما ما ذكرت من العلم في الثوب؛ فإني سمعت عمر بن الخطاب) رضي الله عنه؛ (يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ يقول: "إنما يلبس الحرير: من لا خلاق له). فخفت أن يكون العلم منه. وأما ميثرة الأرجوان؛ فهذه ميثرة عبد الله. فإذا هي أرجوان).

أما جواب صوم رجب؛ فإنكار منه؛ لما بلغها عنه من تحريمه، وإخبار بأنه: يصوم رجب كله، وأنه: يصوم الأبد. والمراد "بالأبد": ما سوى أيام العيدين والتشريق. وهذا مذهبه، ومذهب أبيه، وعائشة، وأبي طلحة، وغيرهم - رضي الله عنهم - من سلف الأمة. ومذهب الشافعي وغيره من العلماء: أنه لا يكره صوم الدهر. والصواب: كراهته؛ لحديث: "لا صام ولا أفطر".

[ ص: 30 ] وأما العلم؛ فلم يعترف بأنه كان يحرمه. بل أخبر أنه تورع منه؛ خوفا من دخوله في: عموم النهي عن الحرير.

وأما الميثرة؛ فأنكر ما بلغها عنه. وقال: هذه ميثرتي. وهي أرجوان. والمراد: أنها "حمراء"، وليست من حرير. بل من صوف أو غيره.

قال النووي : إنها قد تكون من صوف، وقد تكون من حرير. وإن الأحاديث الواردة في النهي عنها؛ مخصوصة بالتي هي من الحرير.

(فرجعت إلى أسماء فأخبرتها. فقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم. فأخرجت إلي جبة طيالسة)؛ بإضافة "جبة" إلى "طيالسة"، كما ذكره "ابن رسلان": في شرح السنن، " والنووي ".

"والطيالسة": جمع "طيلسان"؛ بفتح اللام، على المشهور. قال جماهير أهل اللغة: لا يجوز فيه غير فتح اللام. وعدوا كسرها في: تصحيف العوام. وذكر عياض في "المشارق"، في حرف السين والياء، في تفسير الساج: أن "الطيلسان"، يقال بفتح اللام، وضمها، وكسرها. وهذا غريب ضعيف.

[ ص: 31 ] قال في النيل: وهو كساء غليظ. والمراد: أن الجبة غليظة؛ كأنها من طيلسان.

(كسروانية)؛ بكسر الكاف وفتحها. والسين ساكنة. والراء مفتوحة. ونقل عياض: أن جمهور الرواة؛ رووه بكسر الكاف. وهو نسبة إلى: "كسرى"، صاحب العراق، ملك الفرس. وفيه: كسر الكاف وفتحها.

قال: ورواه الهروي، في مسلم ، فقال: "خسروانية".

(لها لبنة ديباج)؛ بكسر اللام وإسكان الباء. هكذا ضبطها عياض وسائر الشراح. وكذا هي في كتب اللغة والغريب. قالوا: "وهي رقعة في جيب القميص". هذه عبارتهم كلهم.

(وفرجيها مكفوفين بالديباج). كذا وقع في جميع النسخ. وهما منصوبان بفعل محذوف. أي: ورأيت فرجيها مكفوفين.

ومعنى "المكفوف": أنه جعل لها "كفة"؛ بضم الكاف، وهو ما يكف به جوانبها، ويعطف عليها. ويكون ذلك: في الذيل، وفي الفرجين. "والفرج" في الثوب: الشق: الذي يكون أمام الثوب، وخلفه في أسفلها. وهما المراد بقوله: "فرجيها".

[ ص: 32 ] والحديث: يدل على جواز لبس ما فيه "من الحرير": هذا المقدار. وقد قيل: إن ذلك محمول على أنه أربع أصابع، أو دونها، أو فوقها؛ إذا لم يكن مصمتا. جمعا بين الأدلة. ولكنه يأبى الحمل على الأربع فما دونها: قوله في حديث آخر: "شبر من ديباج". وعلى غير المصمت: قوله: "من ديباج". فإن الظاهر: أنها من "ديباج فقط"، لا منه ومن غيره. إلا أن يصار إلى المجاز للجمع كما ذكر. نعم يمكن: أن يكون التقدير بالشبر، لطول تلك اللبنة، لا لعرضها، فيزول الإشكال.

واستدل النووي بحديث الباب: على جواز لباس الجبة، ولباس ما له فرجان، وأنه لا كراهة فيه.

وأخرج الطبراني؛ من حديث "علي": النهي عن المكفف بالديباج. وسنده ضعيف.

وروى "البزار"؛ من حديث معاذ بن جبل: "أن النبي صلى الله عليه وسلم: رأى رجلا عليه جبة مزررة، أو مكففة: بحرير. فقال له: طوق من نار". وإسناده ضعيف. وقد استدل بهذا: بعض من جوز لبس الحرير. وهو استدلال غير صحيح. لأن لبسه "صلى الله عليه وآله وسلم"، للجبة المكففة بالحرير: لا يدل على جواز لبس الثوب الخالص، الذي هو محل النزاع. ولو فرض أن هذه الجبة - جميعها [ ص: 33 ] حرير خالص: لم يصلح هذا الفعل للاستدلال به على الجواز.

وبالجملة؛ فإخراج أسماء جبة النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، المكفوفة بالحرير، إنما قصدت بها: أن هذا القدر ليس محرما. قال النووي : وهكذا الحكم عند الشافعي وغيره؛ أن الثوب، والجبة، والعمامة، ونحوها: إذا كان مكفوف الطرف بالحرير: جاز، ما لم يزد على أربع أصابع. فإن زاد، فهو حرام. لحديث "عمر" المتقدم.

( فقالت: هذه كانت عند عائشة، حتى قبضت. فلما قبضت، قبضتها. وكان النبي، صلى الله عليه) وآله (وسلم: يلبسها. فنحن نغسلها للمرضى؛ يستشفى بها).

قال النووي : وفي هذا الحديث: دليل، على استحباب التبرك بآثار الصالحين، وثيابهم.

وفيه: أن النهي عن الحرير، المراد به: الثوب المتمحض منه، أو ما أكثره حرير. وأنه ليس المراد: تحريم كل جزء منه. بخلاف الخمر والذهب، فإنه يحرم كل جزء منهما. انتهى.

التالي السابق


الخدمات العلمية