السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3925 باب: في صبغ الشعر، وتغيير الشيب

وقال النووي : (باب: استحباب خضاب الشيب بصفرة أو حمرة، وتحريمه بالسواد).

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 79 جـ 14 المطبعة المصرية

[عن جابر بن عبد الله ؛ قال: أتي بأبي قحافة ؛ يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غيروا هذا بشيء، واجتنبوا السواد " ].


(الشرح)

(عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما؛ (قال: أتي بأبي قحافة) رضي الله عنه؛ (يوم فتح مكة، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا). [ ص: 57 ] "أبو قحافة": بضم القاف وتخفيف الحاء. اسمه: "عثمان"، وهو والد أبي بكر الصديق "رضي الله عنهما"، أسلم يوم فتح مكة.

"وثغامة": بفتح الثاء، ثم غين مخففة. قال أبو عبيد: هو نبت أبيض الزهر والثمر، يشبه بياض الشيب به. وقال ابن الأعرابي: شجرة مبيضة، كأنها الثلج.

قال في القاموس: "الثغام" كسحاب: نبت. واحدته بهاء. "وأثغماء": اسم الجمع. "وأثغم الوادي": أنبته. "والرأس": صار كالثغامة بياضا. "ولون ثاغم": أبيض كالثغام.

(فقال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: "غيروا هذا بشيء، واجتنبوا السواد").

الحديث: يدل على مشروعية تغيير الشيب، وأنه غير مختص باللحية. وعلى كراهة الخضاب بالسواد. وبذلك قال جماعة من العلماء.

قال النووي : والصحيح؛ بل الصواب: أنه حرام. يعني: الخضاب بالسواد. وممن صرح به: صاحب الحاوي. انتهى.

[ ص: 58 ] وقد أخرج أبو داود والنسائي - من حديث ابن عباس - يرفعه: "يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد، كحواصل الحمام؛ لا يريحون رائحة الجنة". قال المنذري: وفي إسناده: عبد الكريم.. ولم ينسبه أبو داود ، ولا النسائي. انتهى. وهو الحريري، كما وقع في بعض نسخ السنن.

وقد ورد في استحباب خضاب الشيب وتغييره: أحاديث؛ منها: ما أخرجه الترمذي بلفظ: "غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود". ومنها: ما سيأتي.

قال النووي : مذهبنا: استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة، بصفرة. ويحرم: خضابه بالسواد؛ على الأصح. وقيل: يكره كراهة تنزيه. والمختار: التحريم؛ لقوله صلى الله عليه) وآله (وسلم: "واجتنبوا السواد". انتهى.

[ ص: 59 ] قال عياض: اختلف السلف من الصحابة والتابعين، في الخضاب وفي جنسه.

فقال بعضهم: ترك الخضاب أفضل. ورووا حديثا عن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم؛ في النهي عن تغيير الشيب. ولأنه صلى الله عليه وآله وسلم: لم يغير شيبه. روي هذا عن عمر، وعلي، وأبي، وآخرين.

وقال آخرون: الخضاب أفضل. وخضب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم؛ للأحاديث الواردة في ذلك، عند مسلم وغيره. ثم اختلف هؤلاء؛ فكان أكثرهم يخضب بالصفرة. ومنهم: ابن عمر، وأبو هريرة، وآخرون. وروي ذلك عن علي. وخضب جماعة منهم: بالحناء والكتم. وبعضهم: بالزعفران. وخضب جماعة: بالسواد. روي ذلك عن: عثمان، والحسن والحسين ابني علي، وعقبة بن عامر، وابن سيرين، وأبي بردة، وآخرين.

قال عياض: قال الطبراني: الصواب: أن الآثار المروية عن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم؛ بتغيير الشيب، وبالنهي عنه: كلها صحيحة وليس فيها تناقض. بل الأمر بالتغيير: لمن شيبه كشيب أبي قحافة. والنهي: لمن له شمط فقط. قال: واختلاف السلف [ ص: 60 ] في فعل الأمرين: بحسب اختلاف أحوالهم في ذلك. مع أن الأمر والنهي في ذلك: ليس للوجوب؛ بالإجماع. ولهذا؛ لم ينكر بعضهم على بعض: خلافه في ذلك. ولا يجوز أن يقال: فيهما ناسخ ومنسوخ.

قال عياض: وقال غيره: هو على حالين:

فمن كان في موضع، عادة أهله: الصبغ أو تركه؛ فخروجه عن العادة: شهرة، ومكروه.

والثاني: أنه يختلف باختلاف نظافة الشيب؛ فمن كان شيبته تكون نقية أحسن منها مصبوغة؛ فالترك أولى. ومن كانت شيبته تستبشع؛ فالصبغ أولى. قال النووي : هذا ما نقله القاضي. والأصح الأوفق للسنة: ما قدمناه عن مذهبنا.

التالي السابق


الخدمات العلمية