السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3888 [ ص: 83 ] باب: من جر ثوبه من الخيلاء

وقال النووي : (باب: تحريم جر الثوب خيلاء. إلخ).

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 61 جـ 14 المطبعة المصرية

[ ( عن عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما؛ ( أن رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ قال: إن الذي يجر ثيابه من الخيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة ") ].


(الشرح)

قال أهل العلم: "الخيلاء والمخيلة" بمعنى واحد. وهو حرام. يقال: خال الرجل خالا، واختال اختيالا: إذا تكبر. وهو رجل خال: أي متكبر. وصاحب خال: أي كبر. وعدم النظر؛ كناية عن عدم الرحمة.

والتقييد بالخيلاء: يخصص عموم الإسبال، ويدل على أن المراد بالوعيد: من جره تكبرا وبطرا وزهوا. وتؤيده: الرواية الأخرى، عن ابن عمر يرفعه؛ عند مسلم ، بلفظ: "من جر إزاره؛ لا يريد بذلك إلا المخيلة؛ فإن الله لا ينظر إليه، يوم القيامة".

قال في النيل: الحديث يدل: على تحريم جر الثوب خيلاء. والمراد بجره: هو جره على وجه الأرض. وهو الموافق لقوله، صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أسفل من الكعبين من الإزار؛ فهو في [ ص: 84 ] النار". وقد أجمع المسلمون على جواز الإسبال للنساء، كما صرح به ابن رسلان: في "شرح السنن". قال: وظاهر التقييد بقوله: "خيلاء"؛ يدل بمفهومه على أن: جر الثوب لغيرها؛ لا يكون داخلا في هذا الوعيد. قال ابن عبد البر: مفهومه أن الجار لغير الخيلاء: لا يلحقه الوعيد، إلا أنه مذموم. قال ابن العربي: لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه؛ ويقول: لا أجره خيلاء. لأن النهي قد تناوله لفظا. ولا يجوز لمن تناوله لفظا: أن يخالفه، إذ صار حكمه أن يقول: لا أمتثله؛ لأن تلك ليست في. فإنها دعوى غير مسلمة. بل إطالة ذيله؛ دالة على تكبره. انتهى. وفيه: إهدار قيد الخيلاء، المصرح به في الصحيحين. ويرده: قوله صلى الله عليه وآله وسلم، لأبي بكر: "إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء". وإذا اعتبرنا هذا القيد؛ حصل الجمع بين الأحاديث.

وقد جمع بعض المتأخرين رسالة طويلة، جزم فيها بتحريم الإسبال مطلقا. وأعظم ما تمسك به: حديث جابر. وهو حديث فيه: "وارفع إزارك إلى نصف الساق. فإن أبيت؛ فإلى الكعبين. وإياك! وإسبال الإزار؛ فإنها من المخيلة، وإن الله لا يحب المختال". وهو بظاهره يدل: على عدم اعتبار التقييد بالخيلاء. وأنت خبير بأن حديث "أبي بكر"، مصرح بأن مناط التحريم: "الخيلاء". وأن الإسبال قد [ ص: 85 ] يكون للخيلاء، وقد يكون لغيره. فلا بد من حمل قوله: "فإنها من المخيلة"؛ في حديث جابر: على أنه خرج مخرج الغالب. والأخذ بظاهره: ترده الضرورة. فإن كل أحد يعلم: أن من الناس من يسبل إزاره، مع عدم خطور الخيلاء بباله.

وأما حديث "أبي أمامة"؛ فغاية ما فيه: التصريح بأن الله لا يحب المسبل. وحديث الباب؛ مقيد بالخيلاء. وحمل المطلق على المقيد: واجب. والله أعلم بالصواب.

التالي السابق


الخدمات العلمية