السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3966 باب: في لعن الواشمات والمتفلجات

وذكره النووي في: (الباب السابق).

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 105 - 107 جـ 14 المطبعة المصرية

[ عن عبد الله ؛ قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن: المغيرات خلق الله. قال: فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: "أم يعقوب" . وكانت تقرأ القرآن. فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك؟ أنك لعنت الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن: المغيرات خلق الله. فقال عبد الله : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله؟ فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف، فما وجدته. فقال: لئن كنت قرأته لقد وجدته. قال الله عز وجل وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا .

[ ص: 139 ] [59 الحشر : 7] فقالت المرأة: فإني أرى شيئا من هذا، على امرأتك الآن. قال: اذهبي فانظري. قال: فدخلت على امرأة عبد الله ، فلم تر شيئا. فجاءت إليه فقالت: ما رأيت شيئا. فقال: أما لو كان ذلك، لم نجامعها
"


(الشرح)

(عن عبد الله) بن مسعود، رضي الله عنه؛ ( قال: لعن الله: الواشمات) جمع: "واشمة". وهي فاعلة الوشم. وهو أن تغرز إبرة، أو مسلة، أو نحوهما: في ظهر الكف، أو المعصم، أو الشفة، أو غير ذلك، من بدن المرأة، حتى يسيل الدم، ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل، أو النورة): فيخضر. وقد يفعل ذلك: بدارات ونقوش. وقد تكثره، وقد تقتله.

وفاعلة هذا: "واشمة". وقد وشمت، تشم، وشما. والمفعول بها: "موشومة". فإن طلبت فعل ذلك بها: فهي "مستوشمة". وهو حرام، على الفاعلة، والمفعول بها باختيارها، والطالبة له.

وقد يفعل بالبنت، وهي طفلة، فتأثم الفاعلة، ولا تأثم البنت، لعدم تكليفها حينئذ.

(والمستوشمات)، جمع: "مستوشمة". وتقدم تفسيرها).

[ ص: 140 ] قال النووي : قال أصحابنا: هذا الموضع، الذي وشم، يصير نجسا. فإن أمكن إزالته بالعلاج: وجبت إزالته.

وإن لم يمكن إلا بالجرح، فإن خاف منه التلف، أو فوات عضو، أو منفعة) عضو، أو شينا فاحشا في عضو ظاهر: لم تجب إزالته. فإذا تاب: لم يبق عليه إثم.

وإن لم يخف شيئا من ذلك ونحوه: لزمه إزالته. ويعصي بتأخيره. وسواء في هذا كله: الرجل، والمرأة. والله أعلم.

قلت: وفي كون الموضع يصير نجسا: نظر.

(والنامصات) بالصاد: هي التي تزيل الشعر من الوجه.

(والمتنمصات)، هي التي تطلب فعل ذلك بها. وهذا الفعل: حرام، إلا إذا نبتت للمرأة لحية، أو شوارب: فلا تحرم إزالتها، بل يستحب، عند الشافعية.

وقال ابن جرير: لا يجوز حلق لحيتها، ولا عنفقتها، ولا شاربها، ولا تغيير شيء من خلقتها: بزيادة، ولا نقص. قال النووي : [ ص: 141 ] مذهبنا: استحباب إزالة الثلاثة المذكورة. وأن النهي إنما هو في الحواجب، وما في أطراف الوجه.

ورواه بعضهم: "المنتمصة" بتقديم النون. والمشهور: تأخيرها.

ويقال للمنقاش: "منماص" بكسر الميم.

(والمتفلجات) بالفاء والجيم. أي. مفلجات الأسنان؛ بأن تبرد ما بين أسنانها: الثنايا، والرباعيات. وهو من "الفلج" بفتح الفاء، واللام. وهي فرجة بين الثنايا، والرباعيات. وتفعل ذلك: العجوز، ومن قاربتها في السن، إظهارا للصغر، وحسن الأسنان، لأن هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان: تكون للبنات الصغار. فإذا عجزت المرأة: كبرت سنها، وتوحشت. فتبردها بالمبرد، لتصير لطيفة، حسنة المنظر، وتوهم: كونها صغيرة.

ويقال له أيضا: "الوشر". ومنه: "لعن الواشرة والمستوشرة". وهذا الفعل: حرام، على الفاعلة والمفعول بها؛ لهذا الحديث. ولأنه تغيير لخلق الله تعالى. ولأنه تزوير. ولأنه تدليس.

وأما قوله: (للحسن). فمعناه: يفعلن ذلك طلبا للحسن.

وفيه: إشارة إلى أن الحرام هو: المفعول لطلب الحسن. أما لو احتاجت إليه، لعلاج أو عيب في السن ونحوه: فلا بأس به. قاله النووي . [ ص: 142 ] (المغيرات خلق الله).

فيه: أنه لا يجوز تغيير ما خلق الله الآدمي عليه.

(قال: فبلغ ذلك امرأة، من بني أسد، يقال لها: "أم يعقوب"، وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك؟ أنك لعنت الواشمات، والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن: المغيرات خلق الله. فقال عبد الله: وما لي لا ألعن، من لعن رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم؟ وهو في كتاب الله عز وجل. فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف، فما وجدته. فقال: لئن كنت قرأته لقد وجدته. قال الله عز وجل: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا . فقالت المرأة: فإني أرى شيئا من هذا على امرأتك الآن. قال: اذهبي، فانظري. قال: فدخلت على امرأة عبد الله، فلم تر شيئا. فجاءت إليه، فقالت: ما رأيت شيئا. فقال: أما لو كان ذلك: لم نجامعها).

قال جماهير العلماء: معناه: لم نصاحبها، ولم نجتمع نحن وهي بل كنا نطلقها ونفارقها.

قال عياض: ويحتمل أن معناه: لم أطأها. وهذا ضعيف.

[ ص: 143 ] والصحيح: ما سبق. فيحتج به: في أن من عنده امرأة مرتكبة معصية، كالوصل، أو ترك الصلاة، أو غيرهما: ينبغي له أن يطلقها. والله أعلم.

والحديث: دليل على صحة الاستدلال بالعمومات. وهو الحق الواضح المختار.

التالي السابق


الخدمات العلمية