السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4029 [ ص: 240 ] باب: الرد على أهل الكتاب

وذكره النووي في: (الباب المتقدم) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \النووي، ص148 ج14، المطبعة المصرية

[عن أبي الزبير؛ أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سلم ناس من يهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا: السام عليك. يا أبا القاسم! فقال: "وعليكم" فقالت عائشة؛ وغضبت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: "بلى. قد سمعت. فرددت عليهم. وإنا نجاب عليهم. ولا يجابون علينا" ].


(الشرح)

(عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما؛ (قال: سلم ناس من يهود، على رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم، فقالوا: السام عليكم. يا أبا القاسم!) . والسام: "الموت".

(فقال: "وعليكم") . فيه: أن الرد على أهل الكتاب، أن يقال لهم: "وعليكم" فقط. أو: "عليكم" بدون لفظ: "السلام". وقد جاءت الأحاديث في مسلم: بإثبات الواو، وحذفها. وأكثر الروايات: بإثباتها. وعلى هذا: في معناه وجهان؛

[ ص: 241 ] أحدهما: أنه على ظاهره؛ فقالوا: عليكم الموت. فقال: "وعليكم أيضا". أي: نحن وأنتم، في الموت سواء. وكلنا نموت.

والثاني: أن الواو هنا للاستئناف؛ لا للعطف والتشريك. وتقديره: وعليكم ما تستحقونه من الذم. وأما من حذف الواو؛ فتقديره: بل عليكم السام.

قال عياض: اختار بعض العلماء، (منهم: ابن حبيب المالكي) : حذف الواو، لئلا يقتضي التشريك. وقال غيره بإثباتها. وهو في أكثر الروايات. وقال الخطابي: عامة المحدثين: يروون هذا الحرف بالواو. وكان ابن عيينة يرويه بغير واو. قال: وهذا هو الصواب. لأنه إذا حذف الواو؛ صار كلامهم بعينه: مردودا عليهم خاصة. وإذا ثبت الواو؛ اقتضى المشاركة معهم فيما قالوه. قال النووي: والصواب. أن إثبات الواو وحذفها جائزان. كما صحت به الروايات. وأن الواو أجود، كما في أكثر الروايات. ولا مفسدة فيه؛ لأن السام الموت. وهو علينا وعليهم. ولا ضرر في قوله بالواو.

قال: واختلف العلماء، في رد السلام على الكفار، وابتدائهم به؛ فمذهبنا: تحريم ابتدائهم به. ووجوب رده عليهم، بأن يقول: "وعليكم"، أو "عليكم" فقط. انتهى.

قال بعضهم: يقول: "عليكم السلام" بكسر السين: (أي: الحجارة) . وهذا ضعيف.

[ ص: 242 ] (فقالت عائشة؛ وغضبت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: "بلى، قد سمعت. فرددت عليهم -وإنا نجاب عليهم، ولا يجابون علينا-") .

وفي حديث عائشة، عند مسلم: "استأذن رهط من اليهود، على رسول الله، صلى الله عليه" وآله "وسلم. فقالوا: السام عليكم. فقالت عائشة: بل عليكم السام، واللعنة. فقال رسول الله، صلى الله عليه" وآله "وسلم: يا عائشة! إن الله عز وجل يحب الرفق في الأمر كله. قالت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: قد قلت: وعليكم" وفي أخرى: (قالت: بل عليكم السام، والذام. فقال: "يا عائشة! لا تكوني فاحشة" فقالت: ما سمعت ما قالوا؟ فقال: "أوليس قد رددت عليهم الذي قالوا؟ قلت: عليكم") .

وفي رواية بلفظ: (ففطنت عائشة، فسبتهم. فقال: "مه! يا عائشة! فإن الله لا يحب الفحش، والتفحش") الحديث. وهذا من عظيم خلقه، وكمال حلمه.

[ ص: 243 ] وفيه: حث على الرفق، والصبر، والحلم، وملاطفة الناس؛ ما لم تدع حاجة إلى المخاشنة.

"والذام" بتخفيف الميم. وهو: الذم. وأما سبها لهم، ففيه : الانتصار من الظالم لأهل الفضل، ممن يؤذيهم.

وفي الحديث: استحباب تغافل أهل الفضل: عن سفه المبطلين؛ إذا لم تترتب عليه مفسدة. قال الشافعي: الكيس العاقل، هو الفطن المتغافل.

التالي السابق


الخدمات العلمية