السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4049 باب: الزجر عن دخول المخنثين على النساء

وقال النووي: (باب منع المخنث؛ من الدخول على النساء الأجانب) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \النووي، ص162-163 ج14، المطبعة المصرية

[عن عائشة؛ قالت: كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: مخنث. فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة. قال: فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما، وهو عند بعض نسائه. وهو ينعت امرأة؛ قال: إذا أقبلت؛ أقبلت بأربع. وإذا أدبرت؛ أدبرت بثمان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا! أرى هذا يعرف ما هاهنا. لا يدخلن عليكن". قالت: فحجبوه ].


(الشرح)

(عن عائشة) رضي الله عنها؛ (قالت: كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم: مخنث) . قال أهل اللغة: "المخنث" بكسر النون وفتحها: هو الذي يشبه النساء؛ في أخلاقه، وكلامه، وحركاته، وتارة يكون هذا خلقه من الأصل، وتارة يتكلف. انتهى. وسنوضحهما. واختلف في اسم هذا المخنث، قال [ ص: 265 ] عياض: الأشهر أن اسمه: : "هيت" بكسر الهاء وسكون الياء. وقيل: صوابه: "هنب" بالنون والباء. قاله ابن درستويه. وقال: إنما سواه تصحيف. قال: "والهنب": الأحمق. وقيل: "ماتع"، مولى "فاختة" المخزومية. وجاء هذا في حديث آخر، ذكر فيه: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ غرب ماتعا هذا، وهيتا: إلى الحمى". ذكره الواقدي. وذكر أبو منصور البارودي نحو الحكاية، "عن مخنث كان بالمدينة، يقال له: "أنة ". وذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: نفاه إلى حمراء الأسد) . والمحفوظ: أنه "هيت". (فكانوا يعدونه، من غير أولي الإربة. قال: فدخل النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ يوما، وهو عند بعض نسائه. وهو [ ص: 266 ] ينعت امرأة؛ قال: إذا أقبلت؛ أقبلت بأربع. وإذا أدبرت؛ أدبرت يثمان) . وفي حديث "أم سلمة، عند مسلم؛ بلفظ: "أن مخنثا كان عندها، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ في البيت. فقال لأخي "أم سلمة": يا عبد الله بن أبي أمية! إن فتح الله لكم الطائف غدا؛ فإني أدلك على بنت غيلان. فإنها تقبل بأربع، وتدبر بثمان. قال: فسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال... إلخ.

قال أبو عبيد وسائر العلماء: معناه: أربع "عكن"، وثمان "عكن". يعني: أن لها "أربع عكن"، تقبل بهن؛ من كل ناحية ثنتان. ولكل واحدة: طرفان. فإذا أدبرت؛ صارت الأطراف "ثمانية". قالوا: وإنما ذكره، فقال: "بثمان". وكان أصله أن يقول: "بثمانية"، فإن المراد: الأطراف. وهي مذكرة؛ لأنه لم يذكر لفظ المذكر. ومتى لم يذكره: جاز حذف الهاء. كقوله: (ومن صام رمضان، وأتبعه بست من شوال) .

وأما دخول هذا المخنث: على أمهات المؤمنين؛ فقد بين سببه في هذا الحديث: بأنهم كانوا يعتقدونه من غير أولي الإربة. وأنه مباح [ ص: 267 ] دخوله عليهن. فلما سمع منه هذا الكلام؛ علم أنه من أولي الإربة، فمنعه صلى الله عليه وآله وسلم: الدخول. ففيه: منع المخنث من الدخول على النساء. ومنعهن من الظهور عليه. وبيان أن له حكم الرجال الفحول، الراغبين في النساء، في هذا المعنى. وكذا: حكم الخصي، والمجبوب ذكره. والله أعلم.

(فقال النبي، صلى الله عليه) وآله (وسلم: ألا! أرى هذا يعرف ما هاهنا. لا يدخلن عليكم. قالت: فحجبوه) . وفي حديث "أم سلمة": "فقال: لا يدخل هؤلاء عليكم".

قال أهل العلم: إخراجه ونفيه، كان لثلاثة معان؛

أحدها: المعنى المذكور في الحديث؛ أنه كان يظن أنه من غير أولي الإربة، وكان منهم، ويتكتم بذلك.

والثاني: وصفه النساء ومحاسنهن وعوراتهن؛ بحضرة الرجال. وقد نهى: أن تصف المرأة المرأة لزوجها. فكيف إذا وصفها الرجل للرجال؟

والثالث: أنه ظهر له منه، أنه كان يطلع "من النساء وأجسامهن وعوراتهن": على ما لا يطلع عليه كثير من النساء، فكيف الرجال؟ لا سيما على ما جاء في غير مسلم؛ أنه وصفها، حتى وصف ما بين [ ص: 268 ] رجليها. أي: فرجها وحواليه. وفي قوله: "هؤلاء": إشارة إلى جميع المخنثين. لما رأى من وصفهم للنساء، ومعرفتهم ما يعرفه الرجال منهن.

قال النووي: قال العلماء: "المخنث" ضربان؛

أحدهما: من خلق كذلك. ولم يتكلف: التخلق بأخلاق النساء، وزيهن، وكلامهن، وحركاتهن. بل هو خلقة خلقه الله عليها. فهذا لا ذم عليه، ولا عتب، ولا إثم، ولا عقوبة. لأنه معذور، لا صنع له في ذلك. ولهذا، لم ينكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أولا، دخوله على النساء. ولا خلقه الذي هو عليه؛ حين كان من أصل خلقته. وإنما أنكر عليه بعد ذلك: معرفته لأوصاف النساء. ولم ينكر صفته وكونه مخنثا.

الثاني؛ من المخنث: هو من لم يكن له ذلك خلقة، بل يتكلف أخلاق النساء، وحركاتهن وهيئاتهن وكلامهن، ويتزيا بزيهن. فهذا هو المذموم؛ الذي جاء في الأحاديث الصحيحة: لعنه. وهو بمعنى الحديث الآخر: "لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال. والمتشبهين بالنساء من الرجال". وأما الضرب الأول فليس بملعون. ولو كان ملعونا: لما أقره أولا. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية