السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4112 باب، في الطاعون وأنه رجز فلا تدخلوا عليه، ولا تخرجوا فرارا منه

وقال النووي: (باب الطاعون، والطيرة، والكهانة، ونحوها) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \النووي، ص206 ج14، المطبعة المصرية

[(عن أسامة بن زيد) رضي الله عنهما، (عن رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ أنه قال: "إن هذا الوجع -أو السقم-: رجز عذب به بعض الأمم قبلكم. ثم بقي بعد بالأرض. فيذهب المرة، ويأتي الأخرى. فمن سمع به بأرض: فلا يقدمن عليه. ومن وقع بأرض وهو بها، فلا يخرجنه الفرار منه" ].


(الشرح)

المراد ببعض الأمم: بنو إسرائيل، أو غيرهم. كما في حديث آخر [ ص: 366 ] عنه. عند مسلم، يرفعه: "الطاعون رجز، أو عذاب" أرسل على بني إسرائيل -أو على من كان قبلكم- فإذا سمعتم به بأرض: لا تقدموا عليه. وإذا وقع بأرض وأنتم بها: فلا تخرجوا فرارا منه". وفي آخر عنه: "الطاعون آية الرجز، ابتلى الله عز وجل به: ناسا من عباده".

وفي لفظ: "إن هذا الطاعون رجز سلط على من كان قبلكم - أو على بني إسرائيل".

وفي آخر: "هو عذاب أو رجز -أرسله الله تعالى على طائفة- من بني إسرائيل- أو ناس كانوا قبلكم".

قال النووي: هذا الوصف (بكونه عذابا) : مختص بمن كان قبلنا، وأما هذه الأمة؛ فهو لها رحمة وشهادة؛ ففي الصحيحين: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "المطعون شهيد". وفي حديث آخر، في غيرهما: "أن الطاعون: كان عذابا يبعثه الله على من يشاء؛ جعله رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع الطاعون، فيمكث في بلده صابرا، يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له: إلا كان له مثل أجر شهيد". وفي حديث آخر: "الطاعون شهادة لكل مسلم".

قال: وإنما يكون شهادة لمن صبر. كما بينه في الحديث [ ص: 367 ] المذكور.

وفي هذه الأحاديث: منع القدوم على بلد الطاعون، ومنع الخروج منه فرارا من ذلك. أما الخروج لعارض، فلا بأس به. وهذا مذهب الشافعية، والجمهور. قال عياض: وهو قول الأكثرين. حتى قالت عائشة: "الفرار منه، كالفرار من الزحف".

ومنهم: من جوز القدوم عليه، والخروج منه. والصحيح: ما ذكرنا، لظاهر الأحاديث الصحيحة.

وفي هذا الحديث: الاحتراز من المكاره وأسبابها.

وفيه: التسليم لقضاء الله؛ عند حلول الآفات.

قال النووي: واتفقوا على جواز الخروج بشغل، وغرض غير الفرار. ودليله: صريح الأحاديث. قال النووي (في مقدمة شرحه) : ذكر ابن قتيبة - في "المعارف - عن الأصمعي؛ أن أول طاعون كان في الإسلام: طاعون عمواس بالشام، في زمن عمر بن الخطاب، سنة ثماني عشرة، أو سبع عشرة. ثم الجارف، في زمن ابن الزبير. ثم طاعون الفتيات؛ لأنه بدأ في العذارى والجواري: بالبصرة، وبواسط، وبالشام، والكوفة) : في زمن عبد الملك بن [ ص: 368 ] مروان. ويقال له: "طاعون الأشراف"؛ لما مات فيه من الأشراف. ثم طاعون "عدي بن أرطاة"، سنة مائة. ثم طاعون "غراب" سنة سبع وعشرين ومائة. "وغراب": رجل. ثم طاعون "مسلم بن قتيبة"، سنة إحدى وثلاثين ومائة، في شعبان ورمضان. وأقلع في شوال.

قال: ولم يقع بالمدينة ولا بمكة: طاعون قط.

وقال أبو الحسن المدايني: كانت الطواعين المشهورة العظام في الإسلام، خمسة؛طاعون "شيرويه" بالمدائن، على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في سنة ست من الهجرة.

ثم طاعون "عمواس"، في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان بالشام، مات فيه خمسة وعشرون ألفا.

ثم "الجارف"، في زمن ابن الزبير، في شوال سنة تسع وستين. هلك في ثلاثة أيام: مائتا ألف وعشرة آلاف؛ في كل يوم سبعون [ ص: 369 ] ألفا.

ثم طاعون الفتيات، في شوال: سنة سبع وثمانين.

ثم كان طاعون، في سنة 131: إحدى وثلاثين ومائة، في رجب. واشتد في رمضان، فكان يحصى في سكة المربد في كل يوم: ألف جنازة، ثم خف في شوال.

وكان بالكوفة: طاعون، سنة خمسين. انتهى حاصله.

وذكر في الفتح، والإرشاد: طواعين أخرى. وذكرنا في "حجج الكرامة، أيضا: طواعين كثيرة. يطول ذكرها.

التالي السابق


الخدمات العلمية