السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4116 كتاب الطيرة والعدوى

وفيه ثمانية أبواب

باب: لا عدوى، ولا طيرة، ولا صفر، ولا هامة.

زاد النووي: (ولا نوء، ولا غول، ولا يورد ممرض على مصح) .

[ ص: 377 ] (حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \النووي، ص213 ج14، المطبعة المصرية

[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة- حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى، ولا صفر، ولا هامة"- فقال أعرابي: يا رسول الله! فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء، فيجيء البعير الأجرب، فيدخل فيها فيجربها كلها؟ قال: "فمن أعدى الأول" .

وفي رواية : ( "لا عدوى، ولا طيرة، ولا صفر، ولا هامة" ].


(الشرح)

(عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة) رضي الله عنه؛ (حين قال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: "لا عدوى، ولا صفر، ولا هامة"؛ فقال أعرابي قال في الفتح: لم أعرف اسمه. (يا رسول الله! فما بال الإبل، تكون في الرمل كأنها الظباء) بكسر الظاء المعجمة: جمع "ظبي". أي: في النشاط والقوة والسلامة، وصفاء بدنها.

(فيجيء البعير الأجرب، فيدخل فيها فيجربها كلها؟. قال: "فمن أعدى الأول؟". وفي رواية: "لاعدوى، ولا طيرة، ولا صفر، ولا هامة") .

فيه: نفي ما كانت الجاهلية تزعمه وتعتقده: أن المرض والعاهة تعدي بطبعها، لا بفعل الله تعالى.

[ ص: 378 ] والمعنى: أن البعير الأول، الذي جرب. من أجربه؟. أي: وأنتم تعلمون، وتعترفون: أن الله تعالى هو الذي أوجد ذلك، من غير ملاصقة لبعير أجرب. فاعلموا: أن البعير الثاني، والثالث، وما بعدهما: إنما جرب بفعل الله تعالى وإرادته، لا بعدوى تعدي بطبعها. ولو كان الجرب بالعدوى؛ بالطبائع: لم يجرب الأول، لعدم العدوى. ففي الحديث: بيان الدليل القاطع، لإبطال قولهم في العدوى: بطبعها.

واختلفوا في لفظة "لا عدوى"؛

فقيل: هو نهي عن أن يقال ذلك، أو يعتقد.

وقيل: هو خبر. أي: لا تقع العدوى بطبعها. والله أعلم.

والمراد بالصفر: تأخير تحريم "المحرم" إلى صفر. وهو النسيء الذي كانوا يفعلونه. وبهذا: قال مالك، وأبو عبيدة.

وقيل: إن الصفر "دواب في البطن". (وهي دود) . وكانوا يعتقدون: أن في البطن دابة، تهيج عند الجوع. وربما قتلت صاحبها. وكانت العرب تراها أعدى من الجرب. قال النووي: وهذا التفسير هو الصحيح. وبه قال مطرف، وابن وهب، وابن حبيب، وأبو عبيد، وخلائق من العلماء. وقد ذكره مسلم عن جابر؛ راوي الحديث، فيتعين اعتماده. ويجوز: أن يكون المراد: هذا، [ ص: 379 ] والأول، جميعا. وأن الصفرين جميعا باطلان، لا أصل لهما. ولا تصريح على واحد منهما.

وفي "هامة". تأويلان؛

أحدهما: أن العرب كانت تتشاءم بالهامة. وهي الطائر المعروف من طير الليل.

وقيل: هي البومة. قالوا: كانت إذا سقطت على دار أحدهم، رآها ناعية له نفسه، أو بعض أهله. وهذا تفسير مالك بن أنس.

والثاني: أن العرب كانت تعتقد: أن عظام الميت -وقيل روحه- تنقلب هامة تطير. وهذا تفسير أكثر العلماء. وهو المشهور.

ويجوز: أن يكون المراد النوعين، فإنهما جميعا باطلان.

فبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إبطال ذلك، وضلالة الجاهلية فيما تعتقده من ذلك.

"والهامة": بتخفيف الميم. على المشهور، الذي لم يذكر الجمهور غيره. وقيل: بتشديدها. قاله جماعة، وحكاه عياض عن أبي زيد الأنصاري، (الإمام في اللغة) .

"والطيرة" بكسر الطاء وفتح الياء. على وزن "العنبة". هذا هو الصحيح المعروف في رواية الحديث، وكتب اللغة، والغريب. وحكى عياض، وابن الأثير: أن منهم من سكن الياء. والمشهور: الأول. قالوا: وهي مصدر "تطير طيرة". ولم يجئ في المصادر على [ ص: 380 ] هذا الوزن: إلا تطير طيرة، "وتخير خيرة" بالخاء المعجمة. وجاء في الأسماء حرفان؛ وهما: شيء طيبة. أي: طيب. "والتولة" بكسر التاء المثناة وضمها. وهو نوع من السحر، وقيل يشبه السحر.

التالي السابق


الخدمات العلمية