السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4122 باب: في الفأل الصالح

وقال النووي: ( باب الطيرة، والفأل، وما يكون فيه الشؤم).

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 218 جـ 14، المطبعة المصرية

[عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن أبا هريرة قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا طيرة. وخيرها الفأل". قيل: يا رسول الله! وما الفأل؟ قال: "الكلمة الصالحة، يسمعها أحدكم"].


(الشرح)

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- (قال: سمعت النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم يقول: "لا طيرة. وخيرها الفأل".

فيه: التصريح: بأن الفأل من جملة الطيرة، لكنه يستثنى.

(قيل: يا رسول الله! وما الفأل؟ قال: "الكلمة الصالحة، يسمعها أحدكم".

وفي رواية: "لا طيرة. ويعجبني الفأل، الكلمة الحسنة. الكلمة الطيبة".

وفي رواية: "وأحب الفأل الصالح.

[ ص: 390 ] "والطيرة": هو التطير. أي: التشاؤم. وأصله: الشيء المكروه; من قول، أو فعل، أو مرئي. وكانوا يتطيرون بالسوانح والبوارح; فينفرون الظباء والطيور، فإن أخذت ذات اليمين: تبركوا به، ومضوا في سفرهم وحوائجهم. وإن أخذت ذات الشمال: رجعوا عن سفرهم وحاجتهم، وتشاءموا بها. فكانت تصدهم -في كثير من الأوقات- عن مصالحهم. فنفى الشرع ذلك وأبطله، ونهى عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير بنفع ولا ضر. فهذا معنى قوله: "لا طيرة".

وفي حديث آخر: "الطيرة شرك". أي: اعتقاد أنها تنفع أو تضر، إذ عملوا بمقتضاها معتقدين تأثيرها، فهو شرك؛ لأنهم جعلوا لها أثرا في الفعل والإيجاد.

وأما "الفأل، فمهموز، ويجوز ترك همزه. وجمعه: "فؤول". كفلس وفلوس. وقد فسره النبي، صلى الله عليه) وآله (وسلم: بالكلمة الصالحة، والحسنة، والطيبة.

قال العلماء: يكون الفأل فيما يسر، وفيما يسوء. والغالب: في السرور.

[ ص: 391 ] "والطيرة": لا تكون إلا فيما يسوء. قالوا: وقد تستعمل مجازا في السرور.

يقال: "تفاءلت بكذا". بالتخفيف. "وتفألت بالتشديد، وهو الأصل. والأول مخفف منه، ومقلوب عنه.

قال أهل العلم: وإنما أحب الفأل؛ لأن الإنسان: إذا أمل فائدة الله تعالى وفضله عند سبب قوي أو ضعيف: فهو على خير في الحال. وإن غلط في جهة الرجاء، فالرجاء له: خير. وأما إذا قطع رجاءه وأمله من الله تعالى، فإن ذلك شر له. والطيرة فيها سوء الظن، وتوقع البلاء.

ومن أمثال التفاؤل: أن يكون له مريض، فيتفاءل بما يسمعه، فيسمع من يقول: يا سالم! أو يكون طالب حاجة، فيسمع من يقول: يا واجد! فيقع في قلبه: رجاء البرء. أو الوجدان. والله أعلم. هذا كلام النووي، رحمه الله تعالى.

وفي حديث أنس، عند الترمذي وصححه: "أن النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم، كان إذا خرج لحاجة، يعجبه أن يسمع: يا نجيح! يا راشد".

[ ص: 392 ] وفي حديث بريدة، عند أبي داود بسند حسن: "أن النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم; كان لا يتطير من شيء. وكان إذا بعث غلاما، يسأله عن اسمه. فإذا أعجبه: فرح. وإن كرهه: رئي كراهية ذلك في وجهه".

وأما رؤية الفأل -واستخراجه من ديوان الحافظ الشيرازي، وغيره من الكتب، ومن القرآن الكريم-: فلم يأت في ذلك شيء. وظاهره: خلاف السنة المأثورة في ذلك. ولم يكن هذا من عادة سلف هذه الأمة وأئمتها، فينبغي: أن يقتصر على ما ورد; من سماع الكلمة الصالحة، من غير اقتراح لها: من الدواوين، والكتب، والكتاب. والله أعلم بالصواب.

التالي السابق


الخدمات العلمية