السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4201 باب: رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة

وأورده النووي في: (كتاب الرؤيا).

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 22 جـ 15، المطبعة المصرية

[(عن عبادة بن الصامت) رضي الله عنه; (قال: قال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: "رؤيا المؤمن: جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة"].


[ ص: 464 ] (الشرح)

هو نظير قوله، صلى الله عليه وآله وسلم: "السمت الحسن، والتؤدة، والاقتصاد: جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة". أي: من أخلاق أهل النبوة. وأما الحصر في الستة والأربعين; فقال القسطلاني: الأولى: أن يجتنب القول فيه، ويتلقى بالتسليم؛ لعجزنا عن حقيقة معرفته، على ما هو عليه. انتهى.

وقال المازري: هو مما أطلع الله عليه نبيه، صلى الله عليه وآله وسلم.

وقال ابن العربي: أجزاء النبوة لا يعلم حقيقتها: إلا نبي، أو ملك. وإنما القدر الذي أراد "صلى الله عليه وآله وسلم" أن يبينه: أن الرؤيا: جزء من أجزاء النبوة، في الجملة؛ لأن فيها: إطلاعا على الغيب من وجه ما. وأما تفصيل النسبة فيختص بمعرفته درجة النبوة. قال المازري أيضا: لا يلزم العالم أن يعرف كل شيء، جملة وتفصيلا. فقد جعل الله حدا، يقف عنده.

فمنه: ما يعلم المراد به جملة وتفصيلا.

ومنه: ما يعلمه، جملة لا تفصيلا. وهذا من هذا القبيل. [ ص: 465 ] "وعن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الرؤيا الصالحة: جزء من سبعين جزءا من النبوة"). وفي رواية: "رؤيا المسلم: جزء من خمسة وأربعين جزءا" فحصل ثلاث روايات. وفي غير مسلم، من رواية ابن عباس: "من أربعين جزءا". وفي رواية: "من تسعة وأربعين".

وفي أخرى: "من خمسين". وفي رواية: "ستة وعشرين". وفي أخرى: "أربعة وأربعين".

قال عياض: أشار الطبري إلى أن هذا الاختلاف: راجع إلى اختلاف حال الرائي.

فالمؤمن الصالح تكون رؤياه: جزءا من ستة وأربعين جزءا.

والفاسق: جزء من سبعين جزءا.

وقيل: إن المراد: أن الخفي منها: جزء من سبعين. والجلي منها: جزء من ستة وأربعين.

قال بعض العلماء: أقام، صلى الله عليه وآله وسلم; يوحى إليه، ثلاثا وعشرين سنة، منها: عشر سنين بالمدينة. وثلاث عشرة بمكة. وكان قبل ذلك: "ستة أشهر" يرى في المنام الوحي. وهي جزء من ستة وأربعين جزءا.

قال المازري: وقيل: المراد أن للمنامات شبها مما حصل له، وميز به من النبوة: بجزء من ستة وأربعين. قال: وقد قدح بعضهم [ ص: 466 ] في الأول: بأنه لم يثبت: أن أمد رؤياه "صلى الله عليه وآله وسلم" قبل النبوة: "ستة أشهر" وبأنه رأى بعد النبوة منامات كثيرة، فلتضم إلى الأشهر الستة، وحينئذ تتغير النسبة.

قال: وهذا الاعتراض الثاني باطل؛ لأن المنامات الموجودة بعد الوحي، بإرسال الملك: منغمرة في الوحي، فلم تحسب.

قال: ويحتمل أن يكون المراد: أن المنام فيه إخبار الغيب، وهو إحدى ثمرات النبوة، وهو ليس في حد النبوة؛ لأنه يجوز أن يبعث الله نبيا ليشرع الشرائع، ويبين الأحكام، ولا يخبر بغيب أبدا. ولا يقدح ذلك في نبوته، ولا يؤثر في مقصودها. وهذا الجزء من النبوة، وهو الإخبار بالغيب، إذا وقع: لا يكون إلا صدقا.

قال الخطابي: هذا الحديث توكيد لأمر الرؤيا، وتحقيق منزلتها. وقال: وإنما كانت جزءا من أجزاء النبوة، في حق الأنبياء دون غيرهم. وكانت الأنبياء يوحى إليهم في منامهم، كما يوحى إليهم في اليقظة.

قال: وقال بعض العلماء: معنى الحديث: أن الرؤيا تأتي على موافقة النبوة؛ لأنها جزء باق من النبوة. والله أعلم.

وقال الغزالي: لا يظن أن تقدير النبي، صلى الله عليه وآله وسلم; يجري على لسانه كيفما اتفق. بل لا ينطق إلا بحقيقة الحق. فقوله: "رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة": [ ص: 467 ] تقدير تحقيق، لكن ليس في قوة غيره: أن يعرف علة تلك النسبة، إلا بتخمين؛ لأن النبوة عبارة عما يختص به النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، ويفارق به غيره، وهو مختص بأنواع من الخواص، كل واحد منها: يمكن انقسامه إلى أقسام. بحيث يمكننا: أن نقسمها إلى "ستة وأربعين" جزءا، بحيث تقع الرؤيا الصحيحة: جزءا من جملتها، لكنه لا يرجع إلا إلى الظن والتخمين، لا أنه الذي أراده النبي، صلى الله عليه وآله وسلم حقيقة. والله أعلم بالصواب.

قال في الفتح: ويمكن الجواب عن اختلاف الأعداد: أنه بحسب الوقت، الذي حدث فيه "صلى الله عليه وآله وسلم" بذلك، كأن يكون لما أكمل ثلاث عشرة سنة، بعد مجيء الوحي إليه: حدث بأن الرؤيا جزء من ستة وعشرين، إن ثبت الخبر بذلك. وذلك وقت الهجرة. ولما أكمل عشرين: حدث بأربعين. ولما أكمل اثنتين وعشرين: حدث بأربعة وأربعين. ثم بعدها: بخمسة وأربعين. ثم حدث: بستة وأربعين، في آخر حياته.

قال: وأما ما عدا ذلك من الروايات "بعد الأربعين": فضعيف. ورواية الخمسين: تحتمل أن تكون لجبر الكسر. ورواية السبعين: [ ص: 468 ] للمبالغة. وما عدا ذلك لم يثبت. انتهى.

قال القسطلاني: وقلما يصيب مؤول في حصر هذه الأجزاء. ولئن وقع له الإصابة في بعضها، لما تشهد له الأحاديث المستخرج منها: لم يسلم له ذلك في بقيتها.

والتقييد بالصالحة: جرى على الغالب. فقد يرى الصالح الأضغاث، ولكنه نادر؛ لقلة تمكن الشيطان منه. بخلاف العكس. وحينئذ; فالناس على ثلاثة أقسام:

الأنبياء -عليهم السلام- ورؤياهم كلها صدق. وقد يكون فيها ما يحتاج إلى تعبير.

والصالحون، والأغلب على رؤياهم: الصدق. وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير.

ومن عداهم، يكون في رؤياهم: الصدق، والأضغاث. وهم على ثلاثة أقسام:

"مستورون". فالغالب: استواء الحال في حقهم.

"وفسقة". والغالب على رؤياهم: الأضغاث، ويقل فيها الصدق.

"وكفار" ويندر في رؤياهم: الصدق جدا. قاله المهلب، فيما ذكره في الفتح.

وإنما عبر بلفظ "النبوة" دون لفظ "الرسالة": لأن الرسالة تزيد على النبوة بالتبليغ، بخلاف النبوة المجردة، فإنها: إطلاع على بعض المغيبات. وكذلك الرؤيا. والله أعلم بالصواب. وإليه المبدأ والمآب.

التالي السابق


الخدمات العلمية