السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4239 باب: تتميم الأنبياء وختمهم بالنبي، صلى الله عليه وآله، وبارك وسلم

وقال النووي: ( باب ذكر كونه، صلى الله عليه وآله وسلم: خاتم النبيين).

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 51 جـ15، المطبعة المصرية

[عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: [ ص: 501 ] هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين"].


(الشرح)

(عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله، صلى الله عليه وآله (وسلم; قال: مثلي ومثل الأنبياء من قبلي; كمثل رجل بنى بيتا، فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه. فجعل الناس يطوفون به)، أي: بالبيت (ويعجبون له)، أي: لأجله (ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة!). أي: لو وضعت هذه اللبنة; لكان بناء البيت كاملا.

"واللبنة": بفتح اللام، وكسر الباء. ويجوز: إسكان الباء، مع فتح اللام وكسرها، كما في نظائرها. والله أعلم. وهي قطعة طين تعجن، وتيبس، ويبنى بها من غير إحراق.

(قال: فأنا اللبنة. وأنا خاتم النبيين). وهذا الحديث، له ألفاظ وطرق.

قال في الكواكب: قيل: المشبه به واحد. والمشبه جماعة. فكيف يصح التشبيه؟

وجوابه: أنه جعل الأنبياء كلهم كواحد، فيما قصد في التشبيه. وهو أن المقصود من بعثتهم: ما تم إلا باعتبار الكل. فكذلك البيت، لا يتم إلا بجميع اللبنات. أو أن التشبيه، ليس من باب تشبيه المفرد [ ص: 502 ] بالمفرد; بل هو تشبيه تمثيل - فيؤخذ وصف: من جميع أحوال المشبه، ويشبه بمثله: من أحوال المشبه به. فيقال: شبه الأنبياء، وما بعثوا به من الهدى والعلم، وإرشاد الناس إلى مكارم الأخلاق: بقصر أسس قواعده، ورفع بنيانه. وبقي منه موضع لبنة. فنبينا، صلى الله عليه وآله وسلم: بعث لتميم مكارم الأخلاق، كأنه هو تلك اللبنة: التي بها إصلاح ما بقي من الدار. انتهى.

قال النووي: فيه فضيلته، صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه خاتم الأنبياء.

وفيه: جواز ضرب الأمثال في العلم وغيره. انتهى.

وقال في الفتح: وفي الحديث: ضرب الأمثال؛ للتقريب للأفهام. وفضل النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: على سائر النبيين، وأن الله ختم به المرسلين، وأكمل به شرائع الدين. انتهى.

قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي: قد أكثر المصطفى، صلى الله عليه وآله وسلم -اقتداء بالقرآن-: من ضرب الأمثال، زيادة في الكشف. فإنه أوقع في القلب، وأقمع للخصم الألد; لأنه يريك المتخيل محققا، والمعقول محسوسا. ولشأنه العجيب في إبرازه الحقائق المستورة، ووضع الستور عن وجه الخفيات: كثر في القرآن.

والمثل في الأصل بمعنى: "النظير" ثم نقل في العرف: إلى [ ص: 503 ] القول السائر، الممثل مضربه بمورده. ولم يسيروه، ولم يجعلوه مثلا; إلا إذا خص بنوع من الغرابة؛ ولهذا لم يغيروه عما ورد، ثم استعير للصفة، والقصة العجيبة الشأن، وفيها غرابة. انتهى.

قلت: وهذا الحديث موافق لقوله تعالى: ولكن رسول الله وخاتم النبيين أي: آخرهم الذي ختمهم، أو ختموا به، على قراءة عاصم بالفتح.

وقيل: من لا نبي بعده; يكون أشفق على أمته، وأهدى لهم؛ إذ هو كالوالد لولد، ليس له غيره. ولا يقدح فيه نزول عيسى -عليه السلام- بعده; لأنه إذا نزل يكون على دينه. مع أن المراد: أنه آخر من نبئ. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية