السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4235 باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا آخذ بحجزكم عن النار"

وقال النووي: ( باب شفقته، صلى الله عليه وآله وسلم؛ على أمته. ومبالغته في تحذيرهم: مما يضرهم).

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص49 جـ 15، المطبعة المصرية

[عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلي [ ص: 27 ] كمثل رجل استوقد نارا، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن فيها، قال: فذلكم مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار، هلم عن النار هلم عن النار، فتغلبوني تقحمون فيها ].

وفي حديث جابر، عند مسلم؛ بلفظ: "ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي "
(الشرح)

قال النووي: أما "الفراش"؛ فقال الخليل: هو الذي يطير كالبعوض. وقال غيره: ما تراه كصغار البق، يتهافت في النار.

وأما "الجنادب"؛ فجمع "جندب". وفيها ثلاث لغات؛ بضم الدال، وفتحها. والجيم مضمومة فيهما. وبكسر الجيم، وفتح الدال. حكاه عياض.

"والجنادب": هذا الصرار، الذي يشبه الجراد. قال أبو حاتم:

[ ص: 28 ] "الجندب"، على خلقة الجراد. له أربعة أجنحة، كالجراد. وأصغر منها. يطير، ويصر بالليل: صرا شديدا. وقيل: غيره.

"وأما التقحم": فهو الإقدام، والوقوع في الأمور الشاقة: من غير تثبت.

"والحجز": جمع "حجزة". وهي: معقد الإزار، والسراويل. "وآخذ": روي بوجهين؛ أحدهما: اسم فاعل، بالكسر والتنوين والثاني: فعل مضارع، بضم الذال بلا تنوين.

والأول أشهر. وهما صحيحان. وأما "تفلتون": فروي بوجهين أيضا؛

أحدهما: فتح التاء، والفاء، واللام المشددة.

والثاني: ضم التاء، وإسكان الفاء، وكسر اللام المخففة. وكلاهما: صحيح. يقال: أفلت مني، وتفلت: إذا نازعك الغلبة والهرب، ثم غلب وهرب.

ومقصود الحديث: أنه صلى الله عليه وآله وسلم: شبه تساقط الجاهلين والمخالفين، "بمعاصيهم وشهواتهم": في نار الآخرة، وحرصهم على الوقوع في ذلك، مع منعه إياهم، وقبضه على مواضع المنع منهم: بتساقط الفراش في نار الدنيا، لهواه وضعف تمييزه. وكلاهما: حريص على هلاك نفسه، ساع في ذلك؛ لجهله. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية