السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4330 باب: في صفة النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، ومبعثه وسنه

وقال النووي: ( باب قدر عمره، صلى الله عليه وآله وسلم، [ ص: 63 ] وإقامته بمكة والمدينة).

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي، ص 99، 100 جـ15، المطبعة المصرية

[حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك أنه سمعه يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير وليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم ولا بالجعد القطط ولا بالسبط بعثه الله على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين وتوفاه الله على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء ].


(الشرح)

(عن أنس بن مالك) رضي الله عنه؛ (قال: كان رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير).

المراد بالبائن: زائد الطول. وبالقصير: كثير القصر. أي: هو بين هذين. يعني: أنه كان مقصدا.

قال في الفتح: المراد بالطويل البائن: المفرط في الطول، مع اضطراب القامة.

وفي حديث البراء: أنه قال: "كان مربوعا".

[ ص: 64 ] وفي حديث أبي هريرة)، عند الذهلي، في الزهريات: "كان ربعة، وهو إلى الطول أقرب". انتهى.

"والربعة": بفتح الراء، وسكون الباء، معناه: "مربوعا".

والتأنيث باعتبار النفس. يقال: رجل ربعة، وامرأة ربعة.

(وليس بالأبيض الأمهق، ولا بالآدم).

"الأمهق" بالميم: هو شديد البياض، كلون الجص. وهو كريه المنظر. وربما توهمه الناظر: "أبرص".

"والآدم": الأسمر.

والمعنى: ليس بأسمر، ولا أبيض كريه البياض. بل أبيض بياضا نيرا. كما في الحديث الآخر: "كان أزهر اللون". وفي آخر: "كان أزهر". وفي آخر: "كان أبيض، مشربا بياضه: حمرة". وفي حديث أبي الطفيل؛ عند الطبراني: "ما أنسى شدة بياض وجهه، مع شدة سواد شعره".

(ولا بالجعد القطط، ولا بالسبط): بل بين الجعودة، والسبوطة. وهو معنى قول أنس: "كان شعره، صلى الله عليه وآله وسلم: شعرا رجلا" بفتح الراء، وكسر الجيم.

والجعودة في الشعر: أن لا يتكسر ولا يسترسل. والسبوطة: ضده. فكأنه أراد: أنه وسط بينهما. وفي حديث علي، عند الترمذي، وابن أبي خيثمة: "ولم يكن بالجعد القطط، ولا بالسبط. وكان جعدا رجلا".

[ ص: 65 ] "والسبط": بفتح السين، وكسر الباء.

(بعثه الله عز وجل)، على رأس أربعين سنة). هذا هو الصواب المشهور، الذي أطبق عليه العلماء.

وحكى عياض عن ابن عباس، وسعيد بن المسيب: رواية شاذة: "أنه صلى الله عليه وآله وسلم، بعث على رأس ثلاث وأربعين". قال في الفتح: هذا إنما يتم على القول بأنه: بعث في الشهر الذي ولد فيه. والمشهور عند الجمهور: أنه ولد في ربيع الأول. وأنه بعث في شهر رمضان. فعلى هذا يكون له حين بعث: "أربعون سنة ونصف. أو تسع وثلاثون ونصف. قال: فمن قال أربعين: ألقى الكسر، وجبر).

لكن قال المسعودي، وابن عبد البر: إنه بعث في شهر ربيع الأول. فعلى هذا: يكون له: "أربعون سنة سواء". انتهى.

قال النووي: والصواب: أربعون. قال: وولد عام الفيل، على الصحيح المشهور. وقيل: بعد الفيل بثلاث سنين. وقيل: بأربعين سنة.

[ ص: 66 ] وادعى عياض: الإجماع على عام الفيل. وليس كما ادعى. واتفقوا أنه: ولد يوم الاثنين، في شهر ربيع الأول. وتوفي يوم الاثنين، من شهر ربيع الأول.

واختلفوا في يوم الولادة، هل هو ثاني الشهر، أم ثامنه، أم عاشره، أم ثاني عشره؟ ويوم الوفاة: ثاني عشر، ضحى. والله أعلم.

(فأقام بمكة: عشر سنين، وبالمدينة: عشر سنين).

قال النووي: اتفقوا على أنه صلى الله عليه وآله وسلم: أقام بالمدينة بعد الهجرة: عشر سنين. وبمكة قبل النبوة: أربعين سنة. وإنما الخلاف في قدر إقامته بمكة بعد النبوة، وقبل الهجرة. والصحيح: أنها "ثلاث عشرة. فيكون عمره: "ثلاثا وستين". انتهى.

قلت: وهو موافق لحديث عائشة. وبه قال الجمهور. كذا في الفتح.

(وتوفاه الله، على رأس ستين سنة). قال النووي: ذكر في الباب ثلاث روايات؛ إحداها: أنه صلى الله عليه وآله وسلم، توفي وهو ابن "ستين سنة".

والثانية: "خمس وستون".

[ ص: 67 ] والثالثة: "ثلاث وستون". قال: وهي أصحها وأشهرها. رواه مسلم ههنا؛ من رواية عائشة، وأنس، وابن عباس. واتفق العلماء على أن أصحها: "ثلاث وستون". وتأولوا الباقي عليه.

فرواية "ستين": اقتصر فيها على العقود، وترك الكسر.

ورواية الخمس: متأولة أيضا. وحصل فيها اشتباه.

وقد أنكر عروة على ابن عباس، قوله: "خمس وستون"، ونسبه إلى الغلط. وأنه لم يدرك أول النبوة، ولا كثرت صحبته بخلاف الباقين.

(وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء). أي: بل دون ذلك. والروايات في قدر شيبه، صلى الله عليه وآله وسلم، وردت مختلفة، بألفاظ وطرق. وسيأتي الكلام عليها، إن شاء الله تعالى.

التالي السابق


الخدمات العلمية