السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4326 باب: في خاتم النبوة

وقال النووي: ( باب إثبات خاتم النبوة، وصفته، ومحله من جسده، صلى الله عليه وآله وسلم).

[ ص: 72 ] (حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 97 جـ 15، المطبعة المصرية

[عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته، وكان إذا ادهن لم يتبين، وإذا شعث رأسه تبين وكان كثير شعر اللحية، فقال رجل: وجهه مثل السيف؟ قال: لا بل كان مثل الشمس والقمر، وكان مستديرا، ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده ].


(الشرح)

(عن جابر بن سمرة) رضي الله عنه؛ (قال: كان رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ قد شمط): بفتح المعجمة، وكسر الميم. أي: صار سواد شعره مخالطا لبياض.

وقال النووي: المراد بالشمط هنا: ابتداء الشيب. يقال منه: شمط وأشمط.

وفي حديث آخر: "أعد شمطاته". (مقدم رأسه ولحيته). وفي حديث أنس: "لو شئت: أن أعد شمطات كن في رأسه: فعلت". وفي لفظ: "كان في لحيته: شعرات بيض". وفي آخر عنه: "إنما كان البياض في عنفقته، وفي الصدغين، وفي الرأس: نبذ".

[ ص: 73 ] قال في الفتح: قد بين في الرواية الأخرى: أن مواضع الشمط، كان في العنفقة.

(وكان إذا ادهن: لم يتبين. وإذا شعث رأسه: تبين. وكان كثير شعر اللحية. فقال رجل: وجهه مثل السيف؟). كأن السائل أراد: أنه مثل السيف في الطول. فرد عليه البراء، (وقال: لا. بل كان مثل الشمس والقمر، وكان مستديرا).

ويحتمل أن يكون أراد: مثل السيف، في اللمعان والصقال. فقال: بل فوق ذلك. وعدل إلى (الشمس والقمر)، لجمعهما الصفتين: من التدوير، واللمعان.

وجرى التعارف في أن التشبيه بالشمس، إنما يراد به غالبا: الإشراق. والتشبيه بالقمر، إنما يراد به: الملاحة، دون غيرها. فأتى بقوله: "وكان مستديرا": للتنبيه على أنه جمع الصفتين معا: الحسن، والاستدارة.

ولأحمد، وابن سعد، وابن حبان: عن أبي هريرة: "ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم. كأن الشمس تجري في جبهته". قال الطيبي: شبه جريان الشمس في فلكها، بجريان الحسن في وجهه، صلى الله عليه وآله وسلم.

وفيه: عكس التشبيه للمبالغة.

[ ص: 74 ] قال: ويحتمل: أن يكون من باب تناهي التشبيه. فجعل وجهه: مقرا ومكانا، للشمس.

(ورأيت الخاتم عند كتفه، مثل بيضة الحمامة. يشبه جسده).

هو بيضتها المعروفة.

وجاء في صحيح البخاري: "كانت بضع ناشزة". أي: مرتفعة على جسده. وفي رواية: "جمعا عليه"، كما يأتي في المتن.

قال عياض: الروايات متقاربة، متفقة على أنه شاخص في جسده: قدر بيضة الحمامة. وهو نحو بيضة الحجلة، وزر الحجلة. وأما رواية: "جمع الكف، وناشز" فظاهرها: المخالفة، فتأول على وفق الروايات الكثيرة. ويكون معناه: على هيئة "جمع الكف"، لكنه أصغر منه، في قدر بيضة الحمامة.

قال: وهذا الخاتم، هو أثر شق الملكين بين الكتفين. قال [ ص: 75 ] النووي: وهذا الذي قاله ضعيف. بل باطل؛ لأن شق الملكين، إنما كان في صدره وبطنه. انتهى. وكذا قال القرطبي: وأثره إنما كان خطا واضحا، من صدره إلى مراق بطنه. كما في الصحيحين. قال القرطبي: ولم يثبت قط أنه بلغ بالشق، حتى نفذ من وراء ظهره. قال: فهذه غفلة من الإمام. ولعل ذلك وقع من بعض نساخ كتابه. فإنه لم يسمع عليه، فيما علمت.

قال في الفتح: خاتم النبوة، هو الذي كان بين كتفيه، صلى الله عليه وآله وسلم. وكان من علامات النبوة، التي كان أهل الكتاب يعرفونه بها. قال: وفي حديث "شداد بن أوس"، في المغازي، لابن عائذ: "وأقبل وفي يده: خاتم له شعاع. فوضعه بين كتفيه وثدييه" الحديث. وهذا قد يؤخذ منه: أن الختم، قد وقع في موضعين من جسده. والعلم عند الله.

قال: ومقتضى الأحاديث: أن الخاتم لم يكن موجودا، حين ولادته؛ ففيه تعقيب على من زعم أنه: ولد به. وهو قول نقله [ ص: 76 ] "أبو الفتح اليعمري"، بلفظ: "قيل: ولد به. وقيل: حين وضع". نقله مغلطائي. قال: والذي تقدم أثبت.

ووقع مثله في حديث أبي ذر: عند أحمد، والبيهقي في الدلائل.

وفيه: "فجعل خاتم النبوة بين كتفي، كما هو الآن".

التالي السابق


الخدمات العلمية