السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4280 [ ص: 111 ] باب: كان رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: أرحم الناس بالصبيان والعيال

وعبارة النووي: ( باب رحمته، صلى الله عليه وآله وسلم: الصبيان والعيال. وتواضعه، وفضل ذلك).

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 75، 76 جـ10، المطبعة المصرية

[عن أنس بن مالك قال ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان إبراهيم مسترضعا له في عوالي المدينة فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخن وكان ظئره قينا فيأخذه فيقبله ثم يرجع، قال عمرو فلما توفي إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن إبراهيم ابني وإنه مات في الثدي، وإن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة ].


(الشرح)

(عن أنس بن مالك، رضي الله عنه؛ قال: ما رأيت أحدا، كان أرحم الناس بالعيال). هذا هو المشهور الموجود في النسخ والروايات. قال عياض: وفي بعضها: "بالعباد".

[ ص: 112 ] (من رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم. قال: كان إبراهيم مسترضعا له، في عوالي المدينة). هي القرى، التي عند المدينة. (فكان ينطلق، ونحن معه).

فيه: استتباع العالم والكبير: بعض أصحابه، إذا ذهب إلى منزل قوم ونحوه.

وفيه: الأدب مع الكبار.

(فيدخل البيت، وإنه ليدخن. وكان ظئره قينا). يقال له: "أم سيف"، كما في الرواية الأخرى عنه، عند مسلم؛ بلفظ: قال: قال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: ولد لي الليلة: غلام، فسميته باسم أبي: (إبراهيم). ثم دفعه إلى "أم سيف"، امرأة قين قال له: "أبو سيف". فانطلق يأتيه، واتبعته، فانتهينا إلى "أبي سيف"، وهو ينفخ بكيره، وقد امتلأ البيت دخانا، فأسرعت المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا أبا سيف! أمسك. جاء رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم. فأمسك. فدعا النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: بالصبي فضمه [ ص: 113 ] إليه، وقال ما شاء الله أن يقول. الحديث.

قال عياض: واسم أبي سيف هذا: "البراء". واسم أم سيف زوجته: "خولة بنت المنذر" الأنصارية. كنيتها: "أم سيف". و"أم بردة". انتهى.

قال النووي: "والظئر" بكسر الظاء، مهموزة. وهي "المرضعة: ولد غيرها". وزوجها: "ظئر" لذلك الرضيع. فلفظة "الظئر": تقع على الذكر والأنثى.

"والقين" بفتح القاف: الحداد.

(فيأخذه فيقبله. ثم يرجع. قال عمرو) بن سعيد، الراوي عن أنس: (فلما توفي إبراهيم، قال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: إن إبراهيم ابني. وإنه مات في الثدي). معناه: مات، وهو في سن رضاع الثدي. أو في حال تغذيه بلبن الثدي.

(وإن له لظئرين يكملان رضاعه). أي: تتمانه سنتين (في الجنة). فإنه توفي وله ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر، فترضعانه بقية السنتين. فإنه تمام الرضاعة، بنص القرآن.

[ ص: 114 ] قال صاحب التحرير: وهذا الإتمام لإرضاع إبراهيم: يكون عقب موته، فيدخل الجنة متصلا بموته، فيتم فيها رضاعه كرامة له، ولأبيه، صلى الله عليه وآله وسلم.

وفي هذا الحديث: بيان كريم خلقه، صلى الله عليه وآله وسلم، ورحمته للعيال والضعفاء.

وفيه: جواز الاسترضاع.

وفيه: فضيلة رحمة العيال والأطفال. وجواز التسمية بأسماء الأنبياء، عليهم السلام.

وفي الرواية الأخرى المشار إليها، فقال أنس: لقد رأيته، وهو يكيد بنفسه، بين يدي رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: فدمعت عينا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: "تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. والله! يا إبراهيم! إنا بك لمحزونون".

ومعنى "يكيد بنفسه": يجود بها. أي وهو في النزع.

وفي هذا: جواز البكاء على المريض، والحزن. وأن ذلك لا يخالف الرضاء بالقدر. بل هي رحمة، جعلها الله تعالى في قلوب عباده. وإنما المذموم: الندب، والنياحة، والويل، والثبور. ونحو ذلك من القول الباطل. ولهذا قال: "لا نقول إلا ما يرضي ربنا".

التالي السابق


الخدمات العلمية