السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4383 باب في ذكر يوسف ، عليه السلام

وقال النووي : (باب من فضائل يوسف صلى الله عليه وسلم) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ص 134 ج 15، المطبعة المصرية

(عن أبي هريرة ؛ قيل: يا رسول الله! من أكرم الناس ؟ قال : " "أتقاهم" قالوا : ليس عن هذا نسألك. قال : فيوسف نبي الله بن نبي الله بن خليل الله" . قالوا : ليس عن هذا نسألك. قال: "فعن معادن العرب تسألونني؟ خيارهم في الجاهلية: خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا ") .


(الشرح)

(عن أبي هريرة رضي الله عنه . قال : قيل : يا رسول الله ! من أكرم الناس ؟ قال : أتقاهم ، قالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : "يوسف نبي الله ، ابن نبي الله ، ابن خليل الله") .

[ ص: 245 ] هكذا وقع في مسلم : "نبي الله" ، الخ . وفي روايات للبخاري : كذلك . وفي بعضها : "نبي الله ، ابن نبي الله ، ابن نبي الله ، ابن خليل الله" . وهذه الرواية هي الأصل. وأما الأولى : فمختصرة منها . فإنه : يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين . فنسبه في الأولى إلى جده.

"ويوسف" بضم السين وكسرها وفتحها : مع الهمز ، وتركه . فهي ستة أوجه.

قال النووي : "أصل الكرم" كثرة الخير . وقد جمع يوسف ، عليه السلام : مكارم الأخلاق ، مع شرف النبوة ، مع شرف النسب ، وكونه : نبيا ابن ثلاثة أنبياء ، متناسلين ؛ أحدهم : خليل الله . وانضم إليه شرف علم الرؤيا ، وتمكنه فيه ، ورياسة الدنيا ، وملكها بالسيرة الجميلة ، وحياطته الرعية ، وعموم نفعه إياهم ، وشفقته عليهم ، وإنقاذه إياهم من تلك السنين . والله أعلم.

[ ص: 246 ] (قالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : فعن معادن العرب) أي : أصولها (تسألوني ؟ خيارهم في الجاهلية : خيارهم في الإسلام ، إذا فقهوا) بضم القاف على المشهور . وحكي كسرها . أي : صاروا فقهاء ، عالمين بالأحكام الشرعية ، فيجتمع لهم شرف النسب ، مع شرف العلم .

قال أهل العلم : لما سئل : "أي الناس أكرم ؟" أخبر بأكمل الكرم وأعمه ، فقال : أتقاهم لله . وهذا كقوله سبحانه : إن أكرمكم عند الله أتقاكم .

وقد تقدم : أن أصل الكرم : كثرة الخير . ومن كان متقيا ، كان كثير الخير ، وكثير الفائدة في الدنيا ، وصاحب الدرجات العلى في الآخرة .

فلما قالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : يوسف ، الذي جمع خيرات الآخرة والدنيا ، وشرفهما .

فلما قالوا : ليس عن هذا نسأل ، فهم أن مرادهم : قبائل العرب .

فقال : خيارهم .. الخ .

ومعناه : أن أصحاب المروءات ومكارم الأخلاق ، في الجاهلية : إذا أسلموا وفقهوا : فهم خيار الناس .

قال عياض : قد تضمن الحديث في الأجوبة الثلاثة : أن الكرم كله ؛ عمومه وخصوصه ، ومجمله ومبينه ، إنما هو الدين : من التقوى ، والنبوة ، والإعراق فيها، والإسلام مع الفقه. أي : مع فهم الكتاب [ ص: 247 ] والسنة ، دون الفقه الذي اصطلح عليه عامة الناس ، واتخذوه دينا قويما ، وصراطا مستقيما .

وهذا الحديث : حجة في تقديم الحسب الحسن ، على النسب المجرد عن الدين والعلم . فإن اجتمع لأحد : النسب الرفيع ، مع الحسب الشريف : فهو نور على نور . والله يهدي لنوره من يشاء . ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور .


ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا لا بارك الله في الدنيا بلا دين

.

التالي السابق


الخدمات العلمية