السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4389 باب فضائل أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ما ظنك باثنين الله ثالثهما.

ومثله في النووي : إلا قوله "وقوله الخ" .

قلت : اسم أبي بكر ، على المشهور : "عبد الله بن أبي قحافة واسمه) : "عثمان التيمي" ، نسبة إلى جده الأعلى: "تيم" .

ويجتمع مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم : في "مرة بن كعب" . وكان اسمه : "عتيقا" ، لأنه ليس في نسبه : ما يعاب به . أو لقدمه في الخير ، أو لسبقه إلى الإسلام ، أو لحسنه . أو لأن أمه استقبلت به البيت ، وقالت : اللهم ! هذا عتيقك من الموت - لأنه : كان لا يعيش لها ولد - أو لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "بشره بأن الله أعتقه من النار" . كما في حديث عائشة ، عند الترمذي . -وصححه ابن حبان -.

[ ص: 258 ] ولقب بالصديق : لتصديقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وفي حديث "علي" عند الطبراني ، بإسناد ؛ رجاله ثقات : "أنه كان يحلف أن الله أنزل : اسم أبي بكر من السماء : "الصديق" .

واسم أمه : "سلمى" . وتكنى : "أم الخير" بنت صخر بن مالك .

أسلمت ، وهاجرت.

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص 149 ج 15، المطبعة المصرية

(عن همام، حدثنا ثابت، حدثنا أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق حدثه قال: نظرت إلى أقدام المشركين على رءوسنا ونحن في الغار فقلت: يا رسول الله! لو أن أحدهم نظر إلى قدميه: أبصرنا تحت قدميه فقال "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما"

. )
(الشرح)

(عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ؛ أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه؛ حدثه ؛ قال : نظرت إلى أقدام المشركين ، على رؤوسنا ونحن [ ص: 259 ] في الغار ، فقلت : يا رسول الله ! لو أن أحدهم نظر إلى قدميه : أبصرنا تحت قدميه . فقال : يا أبا بكر ! ما ظنك باثنين ، الله ثالثهما ؟) .

قال النووي : أي ثالثهما : بالنصر ، والمعونة ، والحفظ ، والتسديد . وهو داخل في قوله تعالى : إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون .

قال : وفيه بيان عظيم توكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى في هذا المقام . وفيه : فضيلة لأبي بكر الصديق ، رضي الله عنه . وهي من أجل مناقبه. والفضيلة من أوجه ؛

منها : هذا اللفظ . ومنها : بذله نفسه ، ومفارقته أهله ، وماله ، ورياسته "في طاعة الله ، ورسوله" ، وملازمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومعاداة الناس فيه .

ومنها : جعله نفسه وقاية عنه، وغير ذلك . انتهى.

قلت: وفي البخاري ؛ من حديث البراء بن عازب ؛ قال : لا تحزن إن الله معنا .

[ ص: 260 ] ومعنى "الله ثالثهما" أي : "جاعلهما ثلاثة" بضم نفسه تعالى إليهما : في المعنية المعنوية ، التي أشار إليها بقوله : "معنا" . وهو من قوله تعالى : ثاني اثنين إذ هما في الغار .

واختلف الناس : في تفضيل بعض الصحابة ، على بعض ؛

فقالت طائفة : لا تفاضل ، بل نمسك عن ذلك .

وقال الجمهور : بالتفضيل . ثم اختلفوا ؛

فقال أهل السنة : أفضلهم : أبو بكر الصديق ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي .

وقال بعضهم، من أهل الكوفة : بتقديم علي على عثمان .

قال النووي : والصحيح المشهور : تقديم عثمان على علي . قال أبو منصور البغدادي : أصحابنا مجمعون : على أن أفضلهم: الخلفاء الأربعة على الترتيب ، ثم تمام العشرة ، ثم أهل بدر ، ثم أحد ، ثم أهل بيعة الرضوان ، وممن له مزية أهل العقبتين "من الأنصار" . وكذلك السابقون [ ص: 261 ] الأولون ، "وهم من صلى إلى القبلتين" : في قول ابن المسيب ، وطائفة . وفي قول الشعبي : "أهل بيعة الرضوان" . وفي قول عطاء ، ومحمد بن كعب : "أهل بدر " .

ثم اختلفوا : في أن هذا التفضيل قطعي ، أم لا. وهل هو في الظاهر ، والباطن ؟ أم في الظاهر خاصة؟.

"وبالقطع" : قال أبو الحسن الأشعري . قال : وهم في الفضل على ترتيبهم في الإمامة .

وممن قال بأنه اجتهادي ظني : أبو بكر الباقلاني .

وأما عثمان : فخلافته صحيحة بالإجماع . وقتل مظلوما . وقتلته فسقة، لأن موجبات القتل مضبوطة ، ولم يجر منه ما يقتضيه . ولم يشارك في قتله : أحد من الصحابة ، وإنما قتله همج ورعاع ، من غوغاء القبائل ، وسفلة الأطراف والأرذال . تحزبوا ، وقصدوه من مصر ، فعجزت الصحابة الحاضرون عن دفعهم . فحصروه حتى قتلوه ، رضي الله عنه .

وأما علي "كرم الله وجهه" : فخلافته صحيحة بالإجماع أيضا . وكان هو الخليفة في وقته ، لا خلافة لغيره .

وأما معاوية : فهو من العدول الفضلاء ، والصحابة النجباء .

وأما الحروب التي جرت : فكانت لكل طائفة شبهة ، اعتقدت تصويب أنفسها بسببها . وكلهم عدول ، ومتأولون في حروبهم وغيرها . ولم يخرج [ ص: 262 ] شيء من ذلك أحدا منهم من العدالة ، لأنهم مجتهدون ، اختلفوا في مسائل من محل الاجتهاد . كما يختلف من بعدهم في مسائل الدماء وغيرها . ولا يلزم من ذلك : نقص أحد منهم .

قال النووي : اعلم أن سبب تلك الحروب : أن القضايا كانت مشتبهة . فلشدة اشتباهها : اختلف اجتهادهم ، وصاروا ثلاثة أقسام ؟.

قسم ظهر لهم بالاجتهاد : أن الحق في هذا الطرف ، وأن مخالفه باغ ، فوجب عليهم نصرته ، وقتال الباغي عليه "فيما اعتقدوه" ، ففعلوا ذلك . ولم يكن يحل لمن هذه صفته : التأخر عن مساعدة إمام العدل ، في قتال البغاة "في اعتقاده" .

وقسم "عكس هؤلاء" ، ظهر لهم بالاجتهاد : أن الحق في الطرف الآخر ، فوجب عليهم : مساعدته ، وقتال الباغي عليه .

وقسم ثالث : اشتبهت عليهم القضية ، وتحيروا فيها ، ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين ، فاعتزلوا الفريقين . وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم ، لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم ، حتى يظهر أنه مستحق لذلك . ولو ظهر لهؤلاء : رجحان أحد الطرفين ، وأن الحق معه ، لما جاز لهم التأخر عن نصرته ، في قتال البغاة عليه . فكلهم معذورون . ولهذا اتفق أهل الحق ، ومن يعتد به في الإجماع : على قبول شهاداتهم ، ورواياتهم ، وكمال عدالتهم "رضي الله عنهم أجمعين" . هذا آخر كلام [ ص: 263 ] النووي "رحمه الله" . وهو المذهب المنصور ، والمختار المشهور : بين فحول العلماء ، من الجمهور . وفيه السلامة في الدنيا والآخرة "إن شاء الله تعالى ، الرحيم الغفور" . وقاتل الله : الروافض ، والنواصب ، والخوارج ؛ قد استطالوا في حقوقهم ، وأمورهم ، وفاهوا بما لم يأذن به الله ولا رسوله ، "صلى الله عليه وآله وسلم" : في شأنهم . فمنهم من أهلكه مذهبه ، حتى وقعوا فيهم : بصريح السباب والشتم ، ونالوا منهم ما لم ينله منهم الشيطان .

ومنهم من نسب بعضهم إلى المدح ، وبعضهم إلى الذم.

ومنهم من فضل بعضا منهم ، على بعض منهم : بلا برهان ، ولا قرآن .

ومنهم من أنكر خلافة بعضهم ، وأثبت خلافة بعضهم .

وللناس فيما يعشقون مذاهب .

ولا ريب ، ولا شك : أن المذهب الحق الصحيح ، الحري بالقبول والإيثار : هو مذهب سلف هذه الأمة ، وأئمتها الأخيار الأبرار . وكف اللسان عن مساويهم ، وذكرهم : بالخير ، والدعاء ، والاستغفار .

ولنا كلام على مسألة مشاجرتهم ، حورناه في غير هذا الموضع ، من مؤلفاتنا ، فلا نعيده : فرارا عن التكرار . فراجع إليه ، تجده "إن شاء الله [ ص: 264 ] تعالى" شافيا صدور قوم أحرار ، مع القول بالقول الراجح المختار . اللهم ربنا : اغفر لنا ، ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا . ربنا إنك رؤوف رحيم .

التالي السابق


الخدمات العلمية