السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4410 [ ص: 302 ] (باب منه) وذكره النووي ، في (الباب الماضي) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص 164 ج 15، المطبعة المصرية

(عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد، أن محمد بن سعد بن أبي وقاص، أخبره: أن أباه سعدا، قال: استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نساء من قريش، يكلمنه ويستكثرنه: عالية أصواتهن فلما استأذن عمر: قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم -يضحك- فقال عمر: أضحك الله سنك، يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك: ابتدرن الحجاب" قال عمر: فأنت، يا رسول الله! أحق أن يهبن. ثم قال عمر: أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلن: نعم، أنت أغلظ وأفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده! ما لقيك الشيطان -قط- سالكا فجا، إلا سلك فجا غير فجك ") .


[ ص: 303 ] (الشرح)

(عن سعد بن أبي وقاص ، رضي الله عنه ؛ قال : استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعنده نساء من قريش) هن من أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم ، لقوله : (يكلمنه ويستكثرنه) أي : يطلبن كثيرا من كلامه ، وجوابه : بحوائجهن ، وفتاويهن .

وقال القسطلاني : يطلبن منه ، أكثر مما يعطيهن .

وفي مسلم : "أنهن يطلبن النفقة" (عالية أصواتهن) . قال عياض : يحتمل أن هذا قبل النهي عن رفع الصوت فوق صوته صلى الله عليه وآله وسلم . ويحتمل : أن علو أصواتهن ، إنما كان باجتماعها، لا أن كلام كل واحدة بانفرادها : أعلى من صوته صلى الله عليه وآله وسلم . أو كان ذلك من طبعهن . قاله ابن المنير .

(فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب ، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضحك -فقال عمر : أضحك الله سنك ، يا رسول الله !) . مراده : لازم الضحك ، وهو السرور . لا الدعاء بالضحك .

[ ص: 304 ] (فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي ، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب" . قال عمر: فأنت، يا رسول الله ! أحق أن يهبن) أي : يوقرن . (ثم قال عمر : أي عدوات أنفسهن ! أتهبنني ، ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قلن: نعم . أنت أغلظ وأفظ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

"الغليظ والفظ" : بمعنى . وهو عبارة عن : شدة الخلق ، وخشونة الجانب .

قال أهل العلم : وليست لفظة "أفعل" هنا : للمفاضلة ، بل هي بمعنى : "فظ غليظ" . قال عياض : وقد يصح حملها على المفاضلة ، وأن القدر الذي منها في النبي صلى الله عليه وآله وسلم : هو ما كان من إغلاظه على الكافرين ، والمنافقين . كما قال تعالى : جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم . وكان يغضب ويغلظ ، عند انتهاك حرمات الله تعالى . والله أعلم .

وكان عمر مبالغا في الزجر عن المكروهات مطلقا ، وفي طلب المندوبات كلها .

[ ص: 305 ] قال النووي : وفي هذا الحديث فضل لين الجانب ، والحلم ، والرفق ، ما لم يفوت مقصودا شرعيا . قال تعالى : واخفض جناحك للمؤمنين وقال تعالى : ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك . وقال تعالى : بالمؤمنين رءوف رحيم .

(قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "والذي نفسي بيده ! ما لقيك الشيطان - قط - سالكا فجا ، إلا سلك فجا غير فجك") .

"الفج" : الطريق الواسع . ويطلق أيضا : على المكان المنخرق ، بين الجبلين .

قال النووي : وهذا الحديث محمول على ظاهره ؛ أن الشيطان متى رأى عمر سالكا فجا ، هرب هيبة من عمر ، وفارق ذلك الفج ، وذهب في فج آخر ؛ لشدة خوفه من بأس عمر أن يفعل فيه شيئا .

قال عياض : ويحتمل : أنه ضرب مثلا لبعد الشيطان وإغوائه منه ، وأن عمر في جميع أموره سالك طريق السداد ، خلاف ما يأمر به الشيطان .

قال : والصحيح الأول . وهذا لا يقتضي عصمته ؛ لأنه ليس فيه إلا فرار الشيطان منه : أن يشاركه في طريق يسلكها . ولا يمنع ذلك من وسوسته له ، بحسب ما تصل قدرته إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية