السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4485 باب في فضائل فاطمة عليها السلام، بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقال النووي : (باب : من فضائل فاطمة الخ) .

وهي بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من خديجة .

[ ص: 361 ] ولدت : سنة "إحدى وأربعين" من مولده صلى الله عليه وآله وسلم . وتزوجها على بعد "بدر" ، في السنة الثانية . وولدت له : "حسنا وحسينا ، ومحسنا ، وزينب ، وأم كلثوم ، ورقية" . ولم تبلغ . كذا رواه الطبري ، عن الليث.

وقال غيره : فمات "محسن" صغيرا . ولم يكن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ عقب إلا منها .

وتوفيت بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم : بستة أشهر . وقيل: بثمانية أشهر . وقيل : بمائة يوم . وقيل : بسبعين . والأول أشهر .

وكانت وفاتها : ليلة الثلاثاء ، لثلاث خلون من شهر رمضان ، سنة إحدى عشرة، وهي ابنة "تسع وعشرين سنة" . قاله المدائني . وقيل : ابنة ثلاثين.

وصلى عليها : علي . وقيل : العباس . وقيل : أبو بكر ، رضي الله عنهم .

[ ص: 362 ] (حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص 4 ج16، المطبعة المصرية

(عن الزهري، أخبرني علي بن حسين: أن المسور بن مخرمة أخبره: أن علي بن أبي طالب: خطب بنت أبي جهل -وعنده: فاطمة بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم-، فلما سمعت بذلك، فاطمة: أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: إن قومك يتحدثون: أنك لا تغضب لبناتك. وهذا علي ناكحا ابنة أبي جهل. قال المسور: فقام النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته حين تشهد، ثم قال: "أما بعد! فإني أنكحت أبا العاص بن الربيع، فحدثني فصدقني، وإن فاطمة بنت محمد: مضغة مني. وإنما أكره: أن يفتنوها. وإنها، والله! لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله: عند رجل واحد أبدا" .

قال: فترك علي الخطبة
.


(الشرح)

(عن المسور بن مخرمة ، رضي الله عنهما، أن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه: خطب بنت أبي جهل) : "جويرية" بضم الجيم ، وقيل : "العوراء" .

[ ص: 363 ] (- وعنده فاطمة بنت النبي ، صلى الله عليه) وآله (وسلم - فلما سمعت بذلك : فاطمة ، رضي الله عنها: أتت النبي ، صلى الله عليه) وآله (وسلم ؛ فقالت له : إن قومك يتحدثون : أنك لا تغضب لبناتك) إذا أوذين . (وهذا علي ناكحا : ابنة أبي جهل) . أي : يريد أن ينكح .

وأطلق عليه : اسم "ناكح" مجازا ، باعتبار قصده له .

(قال المسور : فقام النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم ، فسمعته حين تشهد ، ثم قال : "أما بعد! فإني أنكحت أبا العاص) : لقيط (ابن الربيع) أي : ابنته صلى الله عليه وسلم : "زينب" أكبر بناته . وكان ذلك : قبل النبوة . (فحدثني وصدقني) بتخفيف الدال ، بعد الصاد . أي : في حديثه . وزاد البخاري ، في رواية أخرى : "ووعدني فوفى" .

[ ص: 364 ] قال في : "إرشاد الساري" : ولعله كان شرط عليه : أن لا يتزوج على زينب ، فلم يتزوج عليها . وكذلك علي . فإن لم يكن كذلك ، فيحتمل : أن يكون نسي ذلك الشرط . قال: وأسر "أبو العاص" مرة أخرى ، وأجارته زينب ، فأسلم وردها إليه النبي، صلى الله عليه وآله وسلم : إلى نكاحه ، وولدت له "أمامة ، التي كان يحملها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو يصلي .

(وإن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم : مضغة مني) بضم الميم.

وفي رواية البخاري : "بضعة" بفتح الباء ، وسكون المعجمة .

ومعناهما: "قطعة من اللحم" .

(وإنما أكره : أن يفتنوها) .

ولفظ البخاري : "وإني أكره : أن يسوءها أي أحد : علي أو غيره" (وإنها ، والله! لا تجتمع بنت رسول الله ، وبنت عدو الله) أبي جهل أو غيره : (عند رجل واحد ، أبدا" . قال : فترك علي رضي الله عنه الخطبة) بكسر الخاء .

[ ص: 365 ] وقال "ابن داود" - فيما ذكره "المحب الطبري - : حرم الله عز وجل ، على علي : أن ينكح على "فاطمة" حياتها . لقوله تعالى : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا .

وقال "أبو علي" السنجي - في "شرح التلخيص" - : يحرم التزوج على بنات النبي، صلى الله عليه وآله وسلم .

قلت : وحديث الباب هذا ، رواه مسلم بطرق وألفاظ ، منها : "إنما ابنتي بضعة مني، يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها" .

وفي رواية عند البخاري : "فاطمة بضعة مني ، فمن أغضبها : أغضبني" .

واستدل بهذا "السهيلي" : على أن من سبها ، فإنه يكفر . وأنها أفضل بناته صلى الله عليه وآله وسلم . وعورض : بأن أخواتها : زينب ، ورقية ، وأم كلثوم : يشاركنها في هذه الصفة ؛ لأن كلا منه : "بضعة" منه صلى الله عليه وآله وسلم . وإنما يعتبر التفضيل : بأمر يختص به المفضل على غيره .

وأجيب : بأنها امتازت عنه ؛ بأنهن متن في حياته ، فكن في صحيفته . ومات صلى الله عليه وآله وسلم في حياة فاطمة ، فكان في صحيفتها. ولا يقدر قدر ذلك : إلا الله . فانفردت "فاطمة" دون سائر [ ص: 366 ] بناته ، فامتازت بذلك: بأن بشرها في مرض موته : بأنها "سيدة نساء أهل الجنة" . أي : من أهل هذه الأمة المحمدية . وقد ثبت أفضلية هذه الأمة على غيرها ، فتكون "فاطمة" على هذا: أفضل من مريم ، وآسية . وفي ذلك خلاف .

وأجيب عن حديث " عائشة " ، عند الطحاوي : أنه صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : "زينب أفضل بناتي" - على تقدير ثبوته - : بأن ذلك كان متقدما . ثم وهب الله عز وجل ، لفاطمة : من الأحوال السنية ، والكمالات العلية : ما لم يشركها فيه أحد، من نساء هذه الأمة مطلقا .

وفي رواية ، من قصة الباب : "إني لست أحرم حلالا ، ولا أحل حراما . ولكن ، والله! لا تجتمع بنت رسول الله ، وبنت عدو الله : مكانا واحدا أبدا" .

قال النووي : قال العلماء : في هذا الحديث : تحريم إيذاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم : بكل حال ، وعلى كل وجه . وإن تولد ذلك الإيذاء : مما كان أصله مباحا ، وهو حي . وهذا بخلاف غيره . قالوا : وقد أعلم صلى الله عليه وآله وسلم : بإباحة نكاح "بنت أبي جهل" لعلي، ولكن نهى عن الجمع بينهما : لعلتين منصوصتين :

إحداهما : أن ذلك يؤدي إلى أذى "فاطمة" ، فيتأذى حينئذ : [ ص: 367 ] النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فيهلك من آذاه . فنهى عن ذلك ، لكمال شفقته على علي ، وعلى فاطمة .

والثانية : خوف الفتنة عليها ، بسبب الغيرة .

وقيل : ليس المراد به النهي عن جمعهما ، بل معناه : "أعلم من فضل الله : أنهما لا تجتمعان" .كما قال أنس بن النضر : والله ! لا تكسر ثنية الربيع .

ويحتمل : أن المراد : تحريم جمعهما . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية