السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4469 [ ص: 382 ] (باب منه)

وهو في النووي ، في (الباب المتقدم) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص 203 ج 15، المطبعة المصرية

(عن عائشة رضي الله عنه، قالت: قال لي رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم "إني لأعلم: إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى" قالت: فقلت: ومن أين تعرف ذلك؟ قال: "أما إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد! صلى الله عليه) وآله (وسلم، وإذا كنت غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم!" قالت: قلت: أجل! والله! يا رسول الله! ما أهجر إلا اسمك) .


(الشرح)

قال القاضي : مغاضبة عائشة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، هي مما سبق من الغيرة ، التي عفي عنها للنساء : في كثير من الأحكام ، كما سبق : لعدم انفكاكه منها. حتى قال مالك ، وغيره من علماء المدينة : يسقط عنها الحد ، إذا قذفت زوجها : بالفاحشة ، على جهة الغيرة .

قال: واحتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ أنه [ ص: 383 ] قال : "ما تدري الغيراء أعلى الوادي من أسفله" . ولولا ذلك : لكان على " عائشة " في ذلك من الحرج : ما فيه . لأن الغضب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهجره : كبيرة عظيمة . ولهذا قالت : "لا أهجر إلا اسمك" . فدل على أن قلبها وحبها كما كان . وإنما الغيرة في النساء : لفرط المحبة .

قال: واستدل بعضهم بهذا : أن الاسم غير المسمى ، في المخلوقين . وأما في حق الله تعالى : فالاسم هو المسمى . قال: وهذا كلام من لا تحقيق عنده : من معنى المسألة لغة ، ولا نظرا . ولا شك (عند القائلين : بأن الاسم هو المسمى ؛ من أهل السنة وجماهير أهل اللغة ، أو مخالفيهم من المعتزلة) : أن الاسم قد يقع أحيانا ، والمراد به : "التسمية" حيث كان ؛ في خالق ، أو مخلوق؛ ففي حق الخالق : تسمية المخلوق له "باسمه" ، وفعل المخلوق ذلك بعباراته المخلوقة .

وأما أسماؤه سبحانه وتعالى ، "التي سمى بها نفسه" فقديمة . كما أن ذاته وصفاته قديمة . وكذلك لا يختلفون : أن لفظة "الاسم" - إذا تكلم بها المخلوق ، فتلك اللفظة ، والحروف ، والأصوات المقطعة ، المتفهم منها الاسم - : أنها غير الذات ، بل هي التسمية .

[ ص: 384 ] وإنما الاسم الذي هو الذات : ما يفهم منه ؛ من خالق ومخلوق . هذا آخر كلام القاضي .

وأقول : البحث في أن الأسماء عين المسميات ، أم هي غيرها : بدعة حدثت بعد الصدر الأول ، أحدثها المتكلمون : من غير ملجئ إليها ، ولا طائل تحته . وهو من باب الخوض المنهي عنه . وقد درج السلف الصالح ، وهم في عافية من ذلك وأمثاله . فإن كنت أيها الإنسان! تريد الاقتداء بهم : فالزم طريقتهم ، وجانب طريقة المتكلمين . قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون .

والحديث : دل على فضل " عائشة " ، من حيث تحمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مغاضبتها . وفعل الصبر على غيرتها، ومقاولتها : بهجر الاسم .

وفيه أيضا: دلالة على غاية محبته صلى الله عليه وآله وسلم ، بها. وهي من نفائس الفضائل . فإنك مع من أحببت ، والمرء مع من أحب .

التالي السابق


الخدمات العلمية