السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4472 (باب منه)

وهو في النووي ، في (الباب السابق) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص 205، 206 ج 15 ، المطبعة المصرية

(عن ابن شهاب، أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: أن - عائشة - زوج النبي، صلى الله عليه وسلم قالت أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي فأذن لها. فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك أرسلنني إليك، يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة -وأنا ساكتة-، قالت: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي بنية! ألست تحبين ما أحب؟" فقالت: بلى. قال: "فأحبي هذه" قالت: فقامت فاطمة، حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعت إلى أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم فأخبرتهن بالذي قالت، وبالذي قال [ ص: 389 ] لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلن لها: ما نراك أغنيت عنا من شيء، فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: إن أزواجك ينشدنك العدل، في ابنة أبي قحافة. فقالت فاطمة: والله! لا أكلمه فيها أبدا.

قالت عائشة : فأرسل أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم: زينب بنت جحش- زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة، عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أر امرأة قط خيرا -في الدين- من زينب وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالا لنفسها: في العمل الذي تصدق به، وتقرب به إلى الله تعالى -ما عدا: سورة من حدة كانت فيها، تسرع منها الفيئة -قالت: فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم- ورسول الله صلى الله عليه وسلم: مع عائشة ، في مرطها، على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها، فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك أرسلنني إليك: يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. قالت: ثم وقعت بي. فاستطالت علي، وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرقب طرفه: هل يأذن لي فيها؟ قالت: فلم تبرح زينب، حتى عرفت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يكره أن أنتصر. قالت: فلما وقعت بها، لم أنشبها حتى أنحيت عليها. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -وتبسم-: "إنها ابنة أبي بكر"
.


[ ص: 390 ] (الشرح)

(عن عائشة ، زوج النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم ؛ قالت : أرسل أزواج النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم : فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم : إلى رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم ، فاستأذنت عليه - وهو مضطجع معي في مرطي - فأذن لها . فقالت : يا رسول الله ! إن أزواجك أرسلنني إليك ؛ يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة . وأنا ساكتة -) .

معناه : يسألنك التسوية بينهن في محبة القلب . وكان صلى الله عليه وآله وسلم : يسوي بينهن في الأفعال ، والمبيت ، ونحوه .

وأما محبة القلب ؛ فكان يحب " عائشة " أكثر منهن . وأجمع المسلمون : على أن محبتهن لا تكليف فيها . ولا يلزمه : التسوية فيها ، لأنه لا قدرة لأحد عليها إلا الله سبحانه وتعالى . وإنما يؤمر بالعدل في الأفعال .

واختلف أهل العلم في أنه "صلى الله عليه وآله وسلم" : هل كان يلزمه القسم بينهن في الدوام والمساواة في ذلك ، كما يلزم غيره ، أم لا؟ بل يفعل ما يشاء : من إيثار ، وحرمان .

فالمراد بالحديث : طلب المساواة في محبة القلب ، لا العدل في الأفعال ، فإنه كان حاصلا قطعا . ولهذا كان يطاف به في مرضه : عليه حتى ضعف ، فاستأذنه في أن يمرض في بيت عائشة ، فأذن له .

[ ص: 391 ] (قالت : فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "أي بنية! ألست تحبين ما أحب؟" فقالت : بلى. قال : "فأحبي هذه" . قالت : فقامت فاطمة "رضي الله عنها" ، حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فرجعت إلى أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخبرته بالذي قالت ، وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فقلت لها : ما تراك أغنيت عنا من شيء ، فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقولي له : إن أزواجك ينشدنك) أي : يسألنك (العدل في ابنة أبي قحافة . فقالت فاطمة : والله ! لا أكلمه فيها أبدا . قالت عائشة : فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم : زينب بنت جحش "رضي الله عنها) - زوج النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم - وهي التي كانت تساميني) أي : تعادلني وتضاهيني (منهن في) الحظوة ، وفي (المنزلة) الرفيعة . مأخوذ من "السمو" وهو الارتفاع (عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ولم أر امرأة قط خيرا - في الدين - من زينب ، وأتقى لله ، وأصدق حديثا ، وأوصل للرحم ، وأعظم صدقة ، وأشد ابتذالا لنفسها : في العمل الذي تصدق به ، وتقرب به إلى الله، ما عدا سورة من حدة كانت فيها) .

وفي معظم النسخ : "من" بفتح الحاء ، بلا هاء .

[ ص: 392 ] "وسورة" بفتح السين : الثوران ، وعجلة الغضب . "والحدة" : هي شدة الخلق.

ومعنى الكلام : أنها كاملة الأوصاف ، إلا أن فيها شدة خلق وسرعة (تسرع منها الفيئة) بفتح الفاء ، وبالهمز . وهي "الرجوع" . أي : إذا وقع ذلك منها : رجعت عنه سريعا ، ولا تصر عليه .

قال النووي : وقد صحف "صاحب التحرير" في هذا الحديث : تصحيفا قبيحا جدا ، فقال : "ما عدا سودة" بالدال . وجعلها : "سودة بنت زمعة" . وهذا من الغلط الفاحش . نبهت عليه ، لئلا يغتر به .

(قالت : فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم - ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مع عائشة ، في مرطها ، على الحال التي دخلت فاطمة عليها وهو بها ، فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فقالت : يا رسول الله ! إن أزواجك أرسلنني : يسألنك "العدل" في ابنة أبي قحافة . قالت : ثم وقعت بي ، فاستطالت علي) . أي : نالت مني بالوقيعة ، (وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأرقب طرفه ، هل يأذن لي فيها ؟ قالت : فلم تبرح زينب ، حتى عرفت : أن رسول الله صلى الله عليه وآله [ ص: 393 ] وسلم : لا يكره أن أنتصر . قالت : فلما وقعت بها ، لم أنشبها) أي : لم أمهلها (حين أنحيت عليها) بالنون . أي : قصدتها ، واعتمدتها بالمعارضة .

وفي بعض النسخ : "حتى" مكان "حين" . وكلاهما صحيح .

ورجح عياض : "حين" .

وفي رواية : "لم أنشبها أن أثخنتها غلبة" . أي : قمعتها ، وقهرتها .

وليس في هذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أذن لعائشة ، ولا أشار بعينه ، ولا غيرها . بل لا يحل : اعتقاد ذلك ، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم : تحرم عليه خائنة الأعين . وإنما فيه : أنها انتصرت لنفسها ، فلم ينهها .

قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - وتبسم -: "إنها ابنة أبي بكر") . هذه إشارة إلى كمال فهمها ، وحسن نظرها ، وجودة ذكائها ، وسرعة إدراكها ، وقوة حجتها .

والحديث : دليل على فضيلتها الظاهرة ، ومزيتها الباهرة . رزق الله بناتنا هذه الأوصاف ، بمنه وكرمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية