السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4453 [ ص: 523 ] باب في فضائل زيد بن حارثة، وأسامة بن زيد، رضي الله عنهما

وهو في النووي، في (الباب السابق).

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم\ النووي، ص 196 ج 15، المطبعة المصرية

(عن سالم، عن أبيه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال (وهو على المنبر) : "إن تطعنوا في إمارته -يريد أسامة بن زيد-، فقد طعنتم في إمارة أبيه، من قبله. وايم الله! إن كان لخليقا لها. وايم الله! إن كان لأحب الناس إلي. وايم الله! إن هذا لها لخليق -يريد أسامة بن زيد-. وايم الله! إن كان لأحبهم إلي من بعده. فأوصيكم به، فإنه من صالحيكم" ) .


(الشرح)

(عن ابن عمر، رضي الله عنهما ، أن رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم، قال وهو على المنبر).

وفي رواية أخرى: "بعث رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: بعثا، وأمر عليهم أسامة بن زيد، فطعن الناس في إمرته، فقام رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (إن تطعنوا في إمارته -يريد أسامة بن زيد- فقد طعنتم في إمارة أبيه).

[ ص: 524 ] يقال: "طعن" في الإمرة، والعرض، والنسب، ونحوها: يطعن بالفتح. "وطعن" بالرمح، وإصبعه، وغيرها: يطعن بالضم. هذا هو المشهور. وقيل: لغتان فيهما.

"والإمارة" بكسر الهمزة: الولاية. وكذلك "الإمرة".

(من قبله. وايم الله! إن كان) أي: زيد (لخليقا لها) أي: للإمارة.

والرواية الثانية، بلفظ: "إن تطعنوا في إمرته، فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل" أي: في غزوة مؤتة. "وايم الله! إن كان لخليقا للإمرة".

قال التوربشتي: إنما طعن من طعن في إمارتهما؛ لأنهما كانا من الموالي، وكانت العرب لا ترى تأمير الموالي، وتستنكف عن اتباعهم كل الاستنكاف. فلما جاء الله "عز وجل" بالإسلام، ورفع قدر من لم يكن له عندهم قدر: بالسابقة، والهجرة، والعلم، والتقى: عرف حقهم المحفوظون من أهل الدين. فأما المرتهنون بالعادة، والممتحنون بحب الرياسة -من الأعراب، ورؤساء القبائل-: فلم يزل يختلج في صدورهم شيء من ذلك، لا سيما أهل النفاق، فإنهم كانوا يسارعون إلى الطعن وشدة النكير عليه. وكان قد بعث زيدا أميرا على عدة سرايا، وأعظمها جيش "مؤتة" وسار تحت رايته فيها: نجباء الصحابة. وكان خليقا بذلك؛ لسوابقه، وفضله، وقربه من رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم.

ثم أمر "أسامة" في مرضه، على جيش فيهم: جماعة من مشيخة [ ص: 525 ] الصحابة وفضلائهم. وكأنه رأى في ذلك -سوى ما توسم فيه من النجابة-: أن يمهد الأرض، وتوطئة لمن يلي الأمر بعده؛ لئلا ينزع أحد يدا من طاعته، وليعلم كل منهم أن العادات الجاهلية: قد عميت مسالكها، وخفيت معالمها.

فيه: جواز إمارة العتيق. وجواز تقديمه على العرب. وجواز تولية الصغير على الكبار، والمفضول على الفاضل. فقد كان أسامة صغيرا جدا. توفي النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ابن ثمان عشرة سنة. وقيل: عشرين. وجواز تولية المفضول على الفاضل، للمصلحة.

(وايم الله! إن كان لأحب الناس إلي. وايم الله! إن هذا لها لخليق -يريد أسامة- وايم الله! إن كان لأحبهم إلي من بعده. فأوصيكم به، فإنه من صالحيكم).

فيه: إثبات الأحبية لأسامة، والوصية به، والإخبار بكونه من صلحاء الصحابة. وهذه فضائل ظاهرة: لزيد، وأسامة رضي الله عنهما.

التالي السابق


الخدمات العلمية