السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4511 باب في فضل سعد بن معاذ، رضي الله عنه

ونحوه في النووي.

(التعريف بسعد بن معاذ)

وهو "سعد بن معاذ" بن نعمان بن امرئ القيس بن عبد الأشهل -الأنصاري، الأوسي- "كبير الأوس" كما أن "سعد بن عبادة": "كبير الخزرج" وإياهما أراد الشاعر بقوله:


فإن يسلم السعدان يصبح محمد بمكة لا يخشى خلاف المخالف

[ ص: 570 ]

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي، ص 21 ج 16، المطبعة المصرية

(عن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما؛ يقول: قال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم -وجنازة سعد بن معاذ بين أيديهم-: "اهتز لها عرش الرحمن") .

وفي رواية: "اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ".


(الشرح)

اختلف العلماء في تأويله:

فقالت طائفة: هو على ظاهره. واهتزاز العرش: تحركه؛ فرحا بقدوم روح سعد. وجعل الله تعالى في العرش: تمييزا، حصل به هذا، ولا مانع منه، كما قال تعالى: ( وإن منها لما يهبط من خشية الله ) .

قال النووي: وهذا القول هو ظاهر الحديث، وهو المختار. وقال المازري: قال بعضهم: هو على حقيقته، وأن العرش تحرك لموته. قال: وهذا لا ينكر من جهة العقل؛ لأن "العرش" جسم من الأجسام، [ ص: 571 ] يقبل الحركة والسكون.

قال: لكن لا تحصل فضيلة "سعد" بذلك، إلا أن يقال: إن الله تعالى جعل حركته علامة للملائكة على موته.

وقال آخرون: المراد: "اهتزاز أهل العرش" وهم حملته وغيرهم من الملائكة، فحذف المضاف.

والمراد بالاهتزاز: الاستبشار والقبول. ومنه قول العرب: "فلان يهتز للمكارم" لا يريدون: اضطراب جسمه وحركته، وإنما يريدون: ارتياحه إليها، وإقباله عليها.

وقال الحربي: هو كناية عن تعظيم شأن وفاته. والعرب تنسب الشيء المعظم إلى أعظم الأشياء. فيقولون: أظلمت لموت فلان الأرض، وقامت له القيامة.

وقال جماعة: المراد: "اهتزاز سرير الجنازة" وهو النعش. وهذا القول باطل، يرده صريح هذه الروايات، التي ذكرها مسلم "اهتز لموته عرش الرحمن". وإنما قال هؤلاء هذا التأويل؛ لكونهم لم تبلغهم هذه الروايات. انتهى.

قال القسطلاني: يؤيده -يعني: القول بحذف المضاف-: حديث الحاكم: "أن جبريل "عليه السلام" قال: من هذا الميت الذي [ ص: 572 ] فتحت له أبواب السماء، واستبشرت به أهلها؟" انتهى).

قلت: ولا مانع من اهتزازهما جميعا؛ لأن المكان إذا تحرك تحرك ما فيه.

وأما تأويله "باهتزاز السرير": فقد رواه البخاري عن البراء بن عازب. وقال جابر: إنه كان بين هذين الحيين -يعني الأوس والخزرج- ضغائن. جمع "ضغينة" وهي الحقد.

قال القسطلاني: ولم يقل البراء ذلك على سبيل العداوة لسعد، بل فهم شيئا محتملا، فحمل الحديث عليه. ولعله لم يقف على قوله: "عرش الرحمن" وظن جابر: أن "البراء" قاله غضا من سعد، فساغ له أن ينتصر له.

وسياق الحديث يأبى تأويل "السرير" إذ المراد منه: فضيلته. وأي فضيلة في اهتزاز سريره؟! إذ كل سرير يهتز إذا تجاذبته أيدي الرجال.

وفي حديث ابن عمر، عند الحاكم: "اهتز العرش فرحا بلقاء الله [ ص: 573 ] سعدا، حتى تفسخت أعواده على عواتقنا" قال ابن عمر: يعني "عرش سعد" الذي حمل عليه. فأوله كما أوله "البراء" لكن هذا الحديث -يعني حديث الباب- يعارضه، ويعارضه أيضا ما صححه الترمذي، من حديث "أنس" رضي الله عنه: (قال: لما حملت جنازة سعد بن معاذ، قال المنافقون: ما أخف جنازته! فقال النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الملائكة كانت تحمله").

التالي السابق


الخدمات العلمية