السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4496 باب في فضائل أبي طلحة الأنصاري، وامرأته أم سليم، رضي الله عنهما

وقال النووي: (باب فضائل "أم سليم" أم أنس بن مالك "رضي الله عنهما").

(التعريف بأبي طلحة)

واسم "أبي طلحة": زيد بن سهل بن الأسود الأنصاري، الخزرجي، النجاري، عقبي، بدري، نقيب.

وأمه: "عبادة" بنت مالك بن عدي.

[ ص: 576 ]

وهو مشهور بكنيته، وكان زوج "أم سليم" بنت ملحان: "أم أنس بن مالك".

وفي "أسد الغابة": أنه لما خطب "أم سليم" قالت له: يا أبا طلحة! ما مثلك يرد لكنك "امرؤ" كافر، وأنا امرأة مسلمة. ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذلك مهري، لا أسألك غيره، فأسلم، فكان ذلك مهرها. قال ثابت: فما سمعت بامرأة كانت أكرم الناس مهرا من "أم سليم".

(وفاته)

توفي سنة اثنتين وثلاثين أو أربع وثلاثين.

وقال المدائني: سنة إحدى وخمسين.

وقيل: إنه كان لا يكاد يصوم -في عهد النبي، صلى الله عليه وآله وسلم- من أجل الغزو. فلما توفي رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: صام "أربعين سنة، لم يفطر إلا أيام العيد. وهو يؤيد قول من قال: إنه توفي سنة إحدى وخمسين "رضي الله عنه".

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي، ص 11-13، ج16، المطبعة المصرية

عن أنس، قال: مات ابن لأبي طلحة -من أم سليم- فقالت [ ص: 577 ] لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه، حتى أكون أنا أحدثه. قال: فجاء، فقربت إليه عشاء؛ فأكل وشرب. فقال: ثم تصنعت له أحسن ما كان تصنع قبل ذلك؛ فوقع بها. فلما رأت أنه قد شبع، وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة! أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت، فطلبوا عاريتهم؛ ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا. قالت: فاحتسب ابنك. قال: فغضب، وقال: تركتني، حتى تلطخت، ثم أخبرتني بابني! فانطلق، حتى أتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم: فأخبره بما كان. فقال: رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "بارك الله لكما في غابر ليلتكما" قال: فحملت. قال: فكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في سفر -وهي معه- وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر؛ لا يطرقها طروقا. فدنوا من المدينة، فضربها المخاض: فاحتبس عليها "أبو طلحة" وانطلق رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قال: يقول "أبو طلحة": إنك لتعلم يا رب! أنه يعجبني أن أخرج مع رسولك -إذا خرج- وأدخل معه -إذا دخل- وقد احتبست بما ترى. قال: تقول "أم سليم": يا أبا طلحة! ما أجد الذي كنت أجد. انطلق، فانطلقنا. قال: وضربها المخاض -حين قدما- فولدت غلاما، فقالت لي أمي: يا أنس! لا يرضعه أحد، حتى تغدو به على رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فلما أصبح: احتملته، فانطلقت به إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قال: فصادفته -ومعه ميسم- فلما رآني. قال: "لعل أم سليم ولدت؟" قلت: نعم. فوضع [ ص: 578 ] الميسم. قال: وجئت به، فوضعته في حجره. ودعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم بعجوة، من عجوة المدينة، فلاكها في فيه حتى ذابت، ثم قذفها في "في الصبي" فجعل الصبي يتلمظها. قال: فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى حب الأنصار التمر". قال: فمسح وجهه، وسماه: "عبد الله").


(الشرح)

(عن أنس، رضي الله عنه؛ مات ابن لأبي طلحة -من أم سليم- فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه، حتى أكون أنا أحدثه. قال: فجاء، فقربت إليه عشاء، فأكل وشرب. قال: ثم تصنعت له أحسن ما كان تصنع قبل ذلك، فوقع بها. فلما رأت أنه قد شبع، وأصاب منها؛ قالت: يا أبا طلحة! أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت، فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا. قالت: فاحتسب ابنك. قال: فغضب، فقال: تركتني حتى تلطخت، ثم أخبرتني بابني! فانطلق، حتى أتى رسول الله، صلى الله عليه)وآله (وسلم: فأخبره بما كان. فقال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: "بارك الله لكما في غابر ليلتكما"). أي: ماضيها.

(قال: فحملت. قال: فكان رسول الله صلى الله عليه) وآله [ ص: 579 ] (وسلم، في سفر -وهي معه-وكان رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: إذا أتى المدينة من سفر، لا يطرقها طروقا) أي: لا يدخلها في الليل.

(فدنوا من المدينة، فضربها المخاض: فاحتبس عليها أبو طلحة، وانطلق رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم. قال: يقول أبو طلحة: إنك لتعلم يا رب أنه يعجبني أن أخرج مع رسولك -إذا خرج- وأدخل معه -إذا دخل- وقد احتبست بما ترى. قال: تقول أم سليم: يا أبا طلحة! ما أجد الذي كنت أجد، انطلق، فانطلقنا. قال: وضربها المخاض) هو الطلق، ووجع الولادة (حين قدما، فولدت غلاما. فقالت لي أمي: يا أنس! لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم. فلما أصبح احتملته، فانطلقت به إلى رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم، قال: فصادفته -ومعه ميسم- فلما رآني، قال: "لعل أم سليم ولدت؟". قلت: نعم. قال: فوضع الميسم). قال: وجئت به، فوضعته في حجره. ودعا رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: بعجوة من عجوة المدينة، فلاكها في فيه حتى ذابت، ثم قذفها في "في الصبي" فجعل الصبي يتلمظها) أي: يدير بلسانه، ويحركه، ويتتبع أثر التمر. (قال: فقال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: "انظروا إلى حب الأنصار التمر" قال: فمسح وجهه، وسماه عبد الله).

[ ص: 580 ]

هذا الحديث سبق شرحه في "كتاب الأدب" في باب تسمية المولود: "عبد الله" في (باب منه).

وضربها لمثل "العارية": دليل لكمال علمها، وفضلها، وعظم إيمانها، وطمأنينتها.

قالوا: وهذا الغلام الذي توفي هو "أبو عمير" صاحب النغير.

وفي هذا الحديث: استجابة دعاء النبي، صلى الله عليه وآله وسلم؛ فحملت بعبد الله بن أبي طلحة في تلك الليلة. وجاء من ولده: عشرة رجال علماء أخيار.

وفيه: كرامة ظاهرة "لأبي طلحة" وفضائل باهرة "لأم سليم".

وفيه: تحنيك "المولود" وأنه يحمل إلى صالح ليحنكه، وأنه يجوز تسميته في يوم ولادته، واستحباب التسمية بعبد الله، وكراهة الطروق للقادم من سفر إذا لم يعلم أهله بقدومه قبل ذلك.

وفيه: جواز "وسم الحيوان" ليتميز ويعرف، فيردها من وجدها.

وفيه: تواضع النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، ووسمه بيده الشريفة الكريمة.

التالي السابق


الخدمات العلمية