السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4507 باب في فضل أبي بن كعب رضي الله عنه

وقال النووي: (باب من فضائل أبي بن كعب، وجماعة من الأنصار "رضي الله عنهم").

[ ص: 581 ]

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي، ص 19، 20 ج 16، المطبعة المصرية

(عن قتادة قال: سمعت أنسا يقول: جمع القرآن على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أربعة -كلهم من الأنصار-: معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.

قال قتادة: قلت لأنس: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي).



(الشرح)

(عن أنس؛ قال: جمع القرآن -على عهد رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم- أربعة، كلهم من الأنصار: معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو زيد).

لا يقال: قد جمع القرآن غيرهم أيضا؛ لأن مفهوم العدد لا ينفي الزائد.

قال المازري: هذا الحديث مما يتعلق به بعض الملاحدة في تواتر القرآن، وجوابه من وجهين:

أحدهما: أنه ليس فيه تصريح بأن غير الأربعة لم يجمعه. فقد يكون مراده: "الذين علمهم من الأنصار: أربعة" وأما غيرهم -من المهاجرين والأنصار الذين لا يعلمهم- فلم ينفهم.

ولو نفاهم: كان المراد نفي علمه، ومع هذا فقد روى غير مسلم: "حفظ جماعات من الصحابة في [ ص: 582 ] عهد النبي، صلى الله عليه وآله وسلم" وذكر منهم المازري: خمسة عشر صحابيا.

وثبت في الصحيح "أنه قتل -يوم اليمامة- سبعون، ممن جمع القرآن" وكانت اليمامة قريبا من وفاة النبي، صلى الله عليه وآله وسلم. فهؤلاء الذين قتلوا من جامعيه -يومئذ- فكيف الظن بمن لم يقتل ممن حضرها ومن لم يحضرها، وبقي بالمدينة أو بمكة أو غيرهما؟

ولم يذكر في هؤلاء الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ونحوهم من كبار الصحابة، الذين يبعد كل البعد أنهم لم يجمعوه -مع كثرة رغبتهم في الخير، وحرصهم على ما دون ذلك من الطاعات-.

وكيف نظن هذا بهم، ونحن نرى أهل عصرنا؛ حفظه منهم في كل بلدة: ألوف، مع بعد رغبتهم في الخير عن درجة الصحابة؟! مع أن الصحابة لم يكن لهم أحكام مقررة، يعتمدونها في سفرهم وحضرهم: إلا القرآن، وما سمعوه من النبي، صلى الله عليه وآله وسلم.

فكيف نظن بهم إهماله؟ فكل هذا وشبهه: يدل على أنه لا يصح أن يكون معنى الحديث: أنه لم يكن في نفس الأمر أحد يجمع القرآن إلا الأربعة المذكورون.

والجواب الثاني: أنه لو ثبت أنه لم يجمعه إلا الأربعة: لم يقدح في تواتره؛ فإن أجزاءه حفظ كل جزء منها خلائق لا يحصون، يحصل [ ص: 583 ] التواتر ببعضهم. وليس من شرط التواتر: أن ينقل جميعهم جميعه، بل إذا نقل كل جزء عدد التواتر: صارت الجملة متواترة بلا شك. ولم يخالف في هذا مسلم، ولا ملحد. هذا كلام النووي.

ويحتمل أن يكون المراد بجمعه: جمعه في المصحف، لا استظهاره حفظا، فلا إشكال أصلا. والله أعلم.

(قال قتادة: فقلت لأنس: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي).

"أبو زيد" هذا: هو سعد بن عبيد بن النعمان "الأوسي" من بني عمرو بن عوف -جزم به الدارقطني- بدري، يعرف: "بسعد القارئ" استشهد بالقادسية "سنة خمس عشرة" في أول خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.

قال ابن عبد البر: هذا هو قول أهل الكوفة). وخالفهم غيرهم؛ فقالوا: هو "قيس بن السكن الخزرجي" من بني عدي بن النجار، بدري. قاله الواقدي.

قال موسى بن عقبة: استشهد يوم جيش "أبي عبيدة" بالعراق، سنة "خمس عشرة" أيضا.

وقيل: اسمه "أوس". قاله علي بن المدائني. أو ثابت بن زيد. قاله ابن معين. والله أعلم.

[ ص: 584 ]

وفي حديث أنس عند البخاري: (قال النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، لأبي: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك: لم يكن الذين كفروا قال: وسماني؟ قال: "نعم". فبكى) أي: فرحا وسرورا، أو خوفا أن لا يقوم بشكر تلك النعمة.

وإنما استفسره بقوله: "وسماني؟" لأنه جوز: أن يكون أمره أن يقرأ على رجل من أمته، غير معين، فاخترتني أنت.

وقال القرطبي: خص هذه السورة بالذكر؛ لما احتوت عليه: من التوحيد، والرسالة، والإخلاص، والصحف والكتب المنزلة على الأنبياء، وذكر الصلاة، والزكاة، والمعاد، وبيان أهل الجنة والنار، مع وجازتها.

وفي هذه التسمية: اختصاص غريب "لأبي بن كعب" وفضيلة ظاهرة له، واعتناء باهر به "رضي الله عنه".

التالي السابق


الخدمات العلمية