السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4557 باب في فضل أبي سفيان: (صخر بن حرب) رضي الله عنه

ونحوه في النووي.

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي، ص 62، 63 ج16، المطبعة المصرية

(عن عكرمة، حدثنا أبو زميل، حدثني ابن عباس، قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان، ولا يقاعدونه. فقال للنبي، صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله! ثلاث أعطنيهن. قال: "نعم".

قال: عندي أحسن العرب وأجمله: "أم حبيبة بنت أبي سفيان": أزوجكها.

قال: "نعم".

قال: ومعاوية: تجعله كاتبا بين يديك. قال: "نعم".

قال: وتؤمرني؛ حتى أقاتل الكفار، كما كنت أقاتل المسلمين. قال: "نعم". قال أبو زميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي، صلى الله [ ص: 618 ] عليه وسلم، ما أعطاه ذلك؛ لأنه لم يكن يسأل شيئا، إلا قال: "نعم").



(الشرح)

(عن أبي زميل) بضم الزاي، وفتح الميم، وإسكان الياء.

واسمه: "سماك بن الوليد" الحنفي اليمامي، ثم الكوفي.

(قال: حدثني ابن عباس، رضي الله عنهما؛ قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان، ولا يقاعدونه. فقال للنبي، صلى الله عليه)وآله (وسلم، يا نبي الله! ثلاث أعطنيهن. قال: "نعم". قال: عندي أحسن نساء العرب وأجمله) هو كقوله: "كان النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، أحسن الناس وجها، وأحسنهم خلقا".

قال النحاة: معناه: وأجمل من هناك: (أم حبيبة بنت أبي سفيان، أزوجكها. قال: "نعم". قال: ومعاوية، تجعله كاتبا بين يديك. قال: "نعم". قال: وتؤمرني؛ حتى أقاتل الكفار، كما كنت أقاتل المسلمين. قال: "نعم". قال أبو زميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي، صلى الله عليه) وآله (وسلم، ما أعطاه ذلك؛ لأنه لم يكن يسأل شيئا، إلا قال: "نعم").

هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال؛ ووجه الإشكال: أن أبا سفيان، إنما أسلم يوم فتح مكة، سنة ثمان [ ص: 619 ] من الهجرة. وهذا مشهور لا خلاف فيه. وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تزوج "أم حبيبة" قبل ذلك بزمان طويل.

قال أبو عبيدة، وخليفة بن خياط، وابن البرقي، والجمهور: تزوجها سنة ست. وقيل: سنة سبع.

قال عياض: واختلفوا: أين تزوجها؟ فقيل: بالمدينة، بعد قدومها من الحبشة. وقال الجمهور: بأرض الحبشة.

قال: واختلفوا فيمن عقد له عليها هناك.

فقيل: عثمان. وقيل: خالد بن سعيد بن العاصي، بإذنها.

وقيل: النجاشي؛ لأنه كان أمير الموضع وسلطانه.

قال القاضي: والذي في مسلم هنا "أنه زوجها أبو سفيان": غريب جدا. وخبرها مع "أبي سفيان" حين ورد المدينة -في حال كفره- مشهور، ولم يزد القاضي على هذا.

وقال ابن حزم: هذا الحديث وهم من بعض الرواة؛ لأنه لا خلاف بين الناس أن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، تزوج "أم حبيبة" قبل الفتح بدهر -وهي بأرض الحبشة- وأبوها كافر.

وفي رواية عن ابن حزم أيضا أنه قال: موضوع. قال: والآفة فيه: من "عكرمة بن عمار" الراوي عن أبي زميل. وأنكر "ابن الصلاح" [ ص: 620 ] هذا على ابن حزم. وبالغ في الشناعة عليه. قال: وهذا القول من جسارته؛ فإنه كان هجوما على تخطئة الأئمة الكبار، وإطلاق اللسان فيهم.

قال: ولا نعلم أحدا من أئمة الحديث نسب عكرمة بن عمار إلى وضع الحديث. وقد وثقه:

وكيع، ويحيى بن معين، وغيرهما. وكان مستجاب الدعوة.

قال: وما توهمه ابن حزم من منافاة هذا الحديث لتقدم زواجها، غلط منه، وغفلة، لأنه يحتمل أنه سأله تجديد عقد النكاح؛ تطييبا لقلبه؛ لأنه ربما كان يرى عليها غضاضة من رياسته ونسبه: أن تزوج بنته بغير رضاه، أو أنه ظن أن إسلام الأب في مثل هذا يقتضي تجديد العقد، وقد خفي أوضح من هذا على أكبر مرتبة من "أبي سفيان" ممن كثر علمه، وطالت صحبته. انتهى.

قال النووي: وليس في الحديث أن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، جدد العقد، ولا قال لأبي سفيان: إنه يحتاج إلى تجديده. فلعله "صلى الله عليه وآله وسلم، أراد بقوله: "نعم": أن مقصودك يحصل، وإن لم يكن بحقيقة عقد. انتهى.

قلت: وكل هذه احتمالات لا تخلو عن بعد. فالإشكال باق، والرواية غير خالية من الغلط، أو الخلط في سياقه. والله أعلم.

وعلى كل حال فيه فضيلة ظاهرة لأبي سفيان، ومعاوية، وأم حبيبة أيضا.

[ ص: 621 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية