السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4605 باب قول النبي صل الله عليه وآله وسلم : "لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة ، ممن هو عليها"

وعبارة النووي : (باب بيان معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "على رأس مائة سنة ، لا يبقى نفس منفوسة ، ممن هو موجود الآن") .

(حديث الباب)



وهو بصحيح مسلم النووي ، ص89 ،90 ج16 ، المطبعة المصرية

(عن الزهري ؛ أخبرني سالم بن عبد الله ، وأبو بكر بن سليمان : أن عبد الله بن عمر ، قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم -ذات [ ص: 19 ] ليلة- صلاة العشاء ، في آخر حياته . فلما سلم ، قام فقال : "أرأيتكم ليلتكم هذه ؟ فإن على رأس مائة سنة منها : لا يبقى -ممن هو على ظهر الأرض- أحد" .

قال ابن عمر : فوهل الناس ، في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تلك ، فيما يتحدثون من هذه الأحاديث : عن مائة سنة . وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"لا يبقى -ممن هو اليوم على ظهر الأرض- أحد" . يريد بذلك : أن ينخرم ذلك القرن
) .


(الشرح)

(عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -ذات ليلة- صلاة العشاء ، في آخر حياته . فلما سلم ، قام فقال : أرأيتكم ليلتكم هذه ؟ فإن على رأس مائة سنة منها : لا يبقى -ممن هو على ظهر الأرض- أحد . قال ابن عمر : فوهل الناس) بفتح الهاء . أي : غلطوا . يقال : "وهل" بفتح الهاء "يهل" بكسرها ، "وهلا" ؛ كضرب يضرب ضربا . أي : غلط ، وذهب وهمه إلى خلاف الصواب .

وأما "وهلت" بكسرها "أهل" بفتحها "وهلا" كحذرت أحذر حذرا . فمعناه : فزعت . و"الوهل" بالفتح : الفزع .

[ ص: 20 ] (في مقالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، تلك ، فيما يتحدثون من هذه الأحاديث : عن مائة سنة . وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "لا يبقى -ممن هو اليوم ، على ظهر الأرض- أحد" يريد بذلك : أن ينخرم ذلك القرن) أي : ينقطع ، وينقضي .

وفي رواية جابر ؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قبل وفاته بشهر ، يقول : "ما من نفس منفوسة اليوم ، يأتي عليها مائة سنة ، وهي حية يومئذ" .

وفي رواية "أبي سعيد" مثله . لكن قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ، لما رجع من تبوك .

قال النووي : هذه الأحاديث ، قد فسر بعضها بعضا .

وفيها : علم من أعلام النبوة .

والمراد : أن كل نفس -منفوسة- كانت تلك الليلة على الأرض : لا تعيش بعدها أكثر من مائة سنة . سواء قل عمرها قبل ذلك ، أم لا . وليس فيه نفي عيش أحد يوجد -بعد تلك الليلة- فوق مائة سنة .

ومعنى "نفس منفوسة" : أي مولودة .

وفيه : احتراز من الملائكة .

وقد احتج بهذه الأحاديث : من شذ من المحدثين ؛ فقال : الخضر "عليه السلام" ميت . والجمهور على حياته . . كما سبق في باب فضائله .

[ ص: 21 ] ويتأولون هذه الأحاديث ، على أنه كان على البحر ، لا على الأرض . أو أنها "عام مخصوص" . انتهى .

قلت : وما أبرد هذا التأويل : فإن "الأرض" : تشمل البر والبحر ، بلا شك . والبحر على وجه الأرض . وقد سبق في محله : أن الخضر "عليه السلام" لا دليل على حياته . ولا بد لتخصيص العام من مخصص ، يصلح للتخصيص . ولا مخصص هنا . وقد بسطنا القول على معنى حديث الباب ، في كتابنا : "دليل الطالب ، على أرجح المطالب" . فراجعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية