السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4619 باب ما ذكر في فارس

وقال النووي : (باب فضل فارس) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص101 ج16 ، المطبعة المصرية

(عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : كنا جلوسا عند النبي ، [ ص: 35 ] صلى الله عليه وآله وسلم ؛ إذ نزلت عليه سورة الجمعة . فلما قرأ وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ، قال رجل : من هؤلاء ؟ يا رسول الله ! فلم يراجعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى سأله مرة أو مرتين ، أو ثلاثا . قال : وفينا سلمان الفارسي . قال : فوضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يده على سلمان ، ثم قال : "لو كان الإيمان عند الثريا ، لناله رجال من هؤلاء" ) .


(الشرح)

قال النووي : فيه فضيلة ظاهرة لهم . وجواز استعمال المجاز والمبالغة ، في مواضعها . انتهى) .

قلت : احتج به بعض الحنفية : على فضيلة إمامهم "أبي حنيفة" : نعمان بن ثابت ، الكوفي . رحمه الله تعالى . وهو احتجاج ضعيف جدا ، لا ينطبق على دعواهم . لأن "هؤلاء" : إشارة إلى "أهل فارس" كسلمان الفارسي رضي الله عنه . وأصل الإمام -كما قيل- من كابل . وكابل ليس من بلاد الفرس . وأيضا يخالفه لفظة : "رجال" بصيغة الجمع . وأقل الجمع : "اثنان" ، لا واحد . نعم ، فيه فضيلة أهل الحديث ، الذين خرجوا من فارس العجم . وهم رجال كثيرون طيبون . ومنهم : غالب أصحاب الأمهات الست .

وذكر "الثريا" : دليل على اكتسابهم الإيمان ، من مكان بعيد . وليس على وجه البسيطة : من حصل الإيمان -من موضع شاسع ، ومحل

[ ص: 36 ] باعد- : بجمع السنن والأحاديث ، ونزع الأخبار والآثار ، من معادنها : غير أهل الحديث النبوي . تظاهرت بذلك : كتب طبقاتهم ، وصحف أسفارهم . حتى إن واحدا منهم سافر في طلب حديث واحد : إلى مسيرة شهر ، أو زيادة عليها . فكأنهم نالوا الإيمان من عند الثريا ، الذي هو أبعد المكان . وإنك لا تجد أبدا : سوادا واحدا من أسودة الفقهاء "أهل الرأي والقياس" : أتعب نفسه في كسب العلم السني ، هذا التعب ، أو بلغ في دركه من مواضعه ومعادنه : هذا المبلغ .

فهذا الحديث : لا مصداق له -إن شاء الله تعالى- إلا عصابة الحديث ، وجماعة السنة : في القديم والحديث .

وفي هذا : معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم . ومنقبة باهرة : للبخاري ، ومسلم ، وأمثالهما : ممن تصدى لعلم الأخبار ، ورواية الآثار ، ونقل السنن من الرجال الأخيار ، والرواة الأبرار ، والحملة الأطهار . وأصلهم : من فارس وبلاده . والله يختص برحمته من يشاء من عباده .

التالي السابق


الخدمات العلمية