السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3237 [ ص: 57 ] باب قوله صلى الله عليه وآله وسلم : "إن الله حرم عقوق الأمهات"

وذكره النووي في : (باب النهي عن كثرة المسائل ، من غير حاجة) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص11 ،12 ج12 ، المطبعة المصرية

(عن المغيرة بن شعبة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : "إن الله عز وجل ، حرم عليكم : عقوق الأمهات ، ووأد البنات ، ومنعا وهات . وكره لكم ثلاثا : قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال" ) .


(الشرح)

(عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : إن الله عز وجل ، حرم عليكم : عقوق الأمهات) .

"العقوق" بضم العين : من "العق" ، وهو القطع ، والشق . فهو شق عصا الطاعة للأمهات . وهو إيذاؤهن بأي نوع كان ، من أنواع الأذى : قل أو كثر . بشرط : انتفاء المعصية في الكل . وهو حرام من الكبائر ، بإجماع العلماء . وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على عده من الكبائر . وكذلك عقوق الآباء : من الكبائر .

وإنما اقتصر هنا على الأمهات : لأن حرمتهن آكد من حرمة الآباء . لم يذكر [ ص: 58 ] ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم في الرابعة : "ثم أباك" . ولأن أكثر العقوق : يقع للأمهات ، ويطمع الأولاد فيهن ، أو لعجزهن غالبا .

(ووأد البنات) : هو دفنهن في حياتهن ، فيمتن تحت التراب . وهو من الكبائر الموبقات ، لأنه قتل نفس بغير حق . ويتضمن أيضا : قطيعة الرحم ، وقطع النسل : الذي هو خراب العالم .

قيل : وأول من فعل ذلك : "قيس بن عاصم التميمي" .

وإنما اقتصر على وأد البنات : لأنه المعتاد ، الذي كانت الجاهلية تفعله .

(ومنعا وهات) .

معناه : أنه نهى أن يمنع الرجل : حقا لزمه ، أو يطلب ما لا يستحقه . وفي رواية أخرى : "ولا ، وهات" بكسر التاء . من : "هات" .

(وكره لكم ثلاثا : قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال) .

فيه : دليل على أن الكراهة في هذه الثلاثة الأخيرة : للتنزيه ، لا للتحريم ، ولكن ورد في رواية أخرى : "إن الله حرم ثلاثا ، ونهى عن ثلاث . . إلخ" . والنهي حقيقة : في التحريم . وهو الأصح .

قال النووي : "قيل وقال" هو الخوض في أخبار الناس ، وحكايات ما لا يعني من أحوالهم ، وتصرفاتهم .

[ ص: 59 ] واختلفوا في حقيقة هذين اللفظين : على قولين ؛

أحدهما : أنهما فعلان . فـ "قيل" : مبني لما لم يسم فاعله . وقال : فعل ماض .

والثاني : أنهما "اسمان" مجروران ، منونان . لأن "القيل ، والقال ، والقول ، والقالة" : كله بمعنى . ومنه قوله سبحانه : ومن أصدق من الله قيلا . ومنه قولهم : "كثر القيل والقال" .

قال : وأما كثرة السؤال : فقيل : المراد به : القطع في المسائل ، والإكثار من السؤال عما لم يقع ، ولا تدعو إليه حاجة .

وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة : بالنهي عن ذلك . وكان السلف يكرهون ذلك . ويرونه : من التكلف ، المنهي عنه .

وفي الصحيح : "كره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : المسائل ، وعابها" .

وقيل : المراد به : سؤال الناس أموالهم ، وما في أيديهم . وقد تظاهرت الأحاديث : بالنهي عن ذلك .

وقيل : يحتمل أن المراد : كثرة السؤال عن أخبار الناس ، وأحداث الزمان ، وما لا يعني الإنسان . قال النووي : وهذا ضعيف . لأنه قد عرف هذا : من النهي عن : "قيل وقال" .

[ ص: 60 ] وقيل : يحتمل أن المراد : كثرة سؤال الإنسان عن حاله ، وتفاصيل أمره . فيدخل ذلك في سؤاله عما لا يعنيه ، ويتضمن ذلك حصول الحرج في حق المسئول . فإنه قد لا يؤثر إخباره بأحواله ؛ فإن أخبره : شق عليه ، وإن كذبه في الإخبار ، أو تكلف التعريض : لحقته المشقة . وإن أهمل جوابه : ارتكب سوء الأدب .

وأما "إضاعة المال" : فهو صرفه في غير وجوهه الشرعية ، وتعريضه للتلف . وسبب النهي : أنه إفساد . والله لا يحب المفسدين . ولأنه ، إذا ضاع ماله : تعرض لما في أيدي الناس .

هذا آخر كلام النووي . ولا مانع من إرادة الاحتمالين الأولين "في كثرة السؤال" ، وكذا الاحتمال الثالث . فإن الحديث صدر من مشكاة من أوتي جوامع الأقوال . والله أعلم .

وقد تكلم النووي على معنى "عقوق الأبوين" ، وما يتعلق به . في الجزء الأول "في كتاب الإيمان" . فإن شئت : أن تقف عليه تفصيلا مزيدا : فراجعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية