السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4638 باب : صلة الرحم تزيد في العمر

وهو في النووي ، في (باب صلة الرحم ، وتحريم قطيعتها) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص114 ج16 ، المطبعة المصرية

(عن أنس بن مالك ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ يقول : "من سره : أن يبسط عليه رزقه ، أو ينسأ في أثره : فليصل رحمه" ) .


[ ص: 66 ] (الشرح)

(عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ يقول : من سره : أن يبسط) بضم الياء (عليه رزقه) .

"بسط الرزق" : توسيعه ، وكثرته . وقيل : البركة فيه .

وفي رواية أخرى : "من أحب : أن يبسط له في رزقه" . (أو ينسأ) بضم الأول ، وسكون الثاني : من "النسء" . وهو التأخير .

أي : يؤخر (في أثره) .

"والأثر" : الأجل ، لأنه تابع للحياة ، في أثرها .

(فليصل رحمه) يقال : "وصل رحمه ، يصلها ، وصلا ، وصلة" . كأنه -بالإحسان إليهم- : وصل ما بينه وبينهم ، من علاقة القرابة .

قال النووي : وأما التأخير ، ففيه سؤال مشهور . وهو أن الآجال والأرزاق مقدرة : لا تزيد ، ولا تنقص . فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون .

وأجاب العلماء بأجوبة ؛ [ ص: 67 ] الصحيح منها : أن هذه الزيادة في العمر : "بالبركة فيه" بسبب التوفيق للطاعات ، وعمارة أوقاته : بما ينفعه في الآخرة . وصيانتها عن الضياع في غير ذلك . انتهى .

أو المراد : بقاء ذكره الجميل بعده ؛ كالعلم النافع ، ينتفع به . والصدقة الجارية ، والولد الصالح . فكأنه بسبب ذلك : لم يمت . حكاه عياض . قال النووي : وهو ضعيف ، أو باطل . انتهى .

لكن قال القسطلاني : ومنه : قول إبراهيم الخليل ، عليه السلام : واجعل لي لسان صدق في الآخرين .

وأخرج الطبراني في معجمه الصغير : عن أبي الدرداء ، قال : ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "من وصل رحمه أنسئ له في أجله" . فقال : "ليس زيادة في عمره . قال الله تعالى : فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ، ولكن الرجل يكون له الذرية الصالحة يدعون له من بعده" .

[ ص: 68 ] أو المراد : بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة في اللوح المحفوظ ؛ فيظهر لهم "في اللوح المحفوظ" : أن عمره ستون سنة -إلا أن يصل رحمه- فإن وصلها : زيد له "أربعون سنة" . وقد علم الله سبحانه وتعالى ، بما سيقع من ذلك . وهو من معنى قوله : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب . فبالنسبة إلى علم الله ، وما سبق به قدره : لا زيادة ، بل هي مستحيلة . وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين : تتصور الزيادة . وهو مراد الحديث .

وقال الكلبي والضحاك -في الآية- : إن الذي يمحوه ويثبته : ما يصعد به الحفظة ، مكتوبا على بني آدم ، فيأمر الله فيه : أن يثبت "ما فيه ثواب ، أو عقاب" ، ويمحى "ما لا ثواب فيه ، ولا عقاب" ، كقوله : "أكلت ، وشربت" ، ونحوهما من الكلام . وهذا باب واسع المجال ، لأن علم الله تعالى : لا نفاد له ، ومعلوماته سبحانه : لا نهاية لها . وكل يوم هو في شأن . ومن ثم كادت أقوال المفسرين فيه : لا تحصر .

قال الإمام : يزيل ما يشاء ، ويثبت ما يشاء ، من حكمته . ولا يطلع على غيبه أحدا . فهو المنفرد بالحكم ، والمستقل بالإيجاد والإعدام ، والإحياء والإماتة ، والإغناء والإفقار ، وغير ذلك . "سبحانه وتعالى : عما يقول الظالمون والجاحدون ، علوا كبيرا" . انتهى ما قاله القسطلاني [ ص: 69 ] "رحمه الله تعالى" . ولنا كلام على هذا الحديث ، حررناه في كتابنا : "دليل الطالب" ، فراجعه . ولعلك لا تجد مثله في بابه .

التالي السابق


الخدمات العلمية