السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4777 باب : المرء مع من أحب

ومثله (في النووي) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص187 ج16 ، المطبعة المصرية

(عن أنس بن مالك ، قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال : يا رسول الله ! متى الساعة ؟ قال : "وما أعددت للساعة ؟" . قال : حب الله ورسوله . قال : "فإنك مع من أحببت" .

قال أنس : فما فرحنا -بعد الإسلام- فرحا أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم : "فإنك مع من أحببت" .

قال أنس : فأنا أحب الله ورسوله ، وأبا بكر ، وعمر . فأرجو أن أكون معهم ، وإن لم أعمل بأعمالهم ) .


(الشرح)

(عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) .

[ ص: 87 ] قال (في الفتح) : الرجل هو "ذو الخويصرة" اليماني ، الذي بال في المسجد . وحديثه في ذلك مخرج عند الدارقطني . ومن زعم أنه أبو موسى أو أبو ذر فقد وهم ؛ فإنهما وإن اشتركا في معنى الجواب وهو "أن المرء مع من أحب" ، فقد اختلف سؤالهما . فإن كلا منهما إنما سأل "عن الرجل يحب القوم ، ولم يلحق بهم" . وهذا سأل : "متى الساعة ؟" .

(فقال : يا رسول الله ! متى الساعة) قائمة ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : "وما أعددت لها؟) .

سلك مع السائل طريق الأسلوب الحكيم ، لأنه سأل عن "وقت الساعة" ، وأيان مرساها . فقيل : "فيم أنت من ذكراها" . وإنما يهمك أن تهتم بأهبتها ، وتعتني بما ينفعك عند إرسائها من العقائد الحقة ، والأعمال الصالحة المرضية .

فأجاب حيث (قال) : ما أعددت لها من كثير صلاة ، ولا صوم ، ولا صدقة ، ولكن (حب الله ورسوله . قال : "فإنك مع من أحببت") .

[ ص: 88 ] وفي البخاري : "أنت مع من أحببت" . أي : ملحق بهم ، وداخل في زمرتهم . وزاد أبو نعيم الأصفهاني : "ولك ما احتسبت" . وفي روايات عند مسلم والبخاري : "المرء مع من أحب" أي : في الجنة ، بحسن نيته ، من غير زيادة عمل . لأن محبته لهم ، كطاعتهم .

"والمحبة" من أفعال القلوب . فأثيب على معتقده ، لأن النية الأصل . والعمل تابع لها .

وليس من لازم المعية : الاستواء في الدرجات .

ولفظ البخاري ؛ عن ابن مسعود رضي الله عنه : (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فقال : يا رسول الله ! كيف تقول في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم ؟) أي : في العمل والفضل (فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "المرء") أي رجل ، أو امرأة (مع من أحب") أي : في الجنة مع رفع الحجب حتى تحصل الرؤية والمشاهدة . وكل في درجته .

[ ص: 89 ] وعنده ، عن أبي موسى الأشعري ؛ (قال : قيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : الرجل يحب القوم ، ولما يلحق بهم) .

وعند مسلم : "ولما يلحق بعملهم . قال "المرء مع من أحب" يعني : إذ لكل امرئ ما نوى .

قال في الفتح : جمع "أبو نعيم" الحافظ : طرق هذا الحديث ، في "كتاب المحبين مع المحبوبين" . وبلغ عدد الصحابة فيه نحو العشرين . وفي رواية أكثرهم : بهذا اللفظ . يعني "المرء مع من أحب" . وفي بعضها : بلفظ حديث أنس : "أنت مع من أحببت" .

(قال أنس : فما فرحنا -بعد الإسلام- فرحا أشد من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "فإنك مع من أحببت" . قال أنس : فأنا أحب الله ، ورسوله ، وأبا بكر ،) الصديق (وعمر . فأرجو : أن أكون معهم ، وإن لم أعمل بأعمالهم) .

قال النووي : فيه : فضل حب الله ، ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، والصالحين ، وأهل الخير الأحياء منهم والأموات .

ومن فضل محبة الله ورسوله امتثال أمرهما ، واجتناب نهيهما ، والتأدب بالآداب الشرعية .

[ ص: 90 ] قال : ولا يشترط -في الانتفاع بمحبة الصالحين- أن يعمل عملهم . إذ لو عمله ، لكان منهم ، ومثلهم .

وقد صرح (في الحديث الذي بعد هذا) بذلك ؛ فقال : "ولما يلحق بهم" .

قال أهل العربية : "لما" نفي للماضي المستمر ، فيدل على نفيه في الماضي ، وفي الحال . بخلاف "لم" ، فإنها تدل على الماضي فقط .

قال القسطلاني : "لما" أبلغ من "لم" ، فإن النفي بــ لما "أبلغ" ، لأنه يستمر إلى الحال . فيؤخذ منه هنا : أن الحكم ثابت ، ولو بعد اللحاق .

وقال في (الكواكب) : وفي كلمة "لما" إشعار بأنه : يتوقع اللحوق . يعني : هو قاصد لذلك ، ساع في تحصيل تلك المرتبة له .

وفي حديث صفوان بن عسال ، عند "أبي نعيم" : "ولم يعمل بمثل عملهم" .

قال النووي : ثم إنه لا يلزم من كونه معهم ، أن تكون منزلته وجزاؤه : مثلهم من كل وجه . انتهى .

[ ص: 91 ] وأقول : إني أحب الله ورسوله ، وأهل بيته ، وصحابته ، وجميع الصلحاء من أمته : لاسيما المحدثين منهم ، والمشايخ الصوفية الصافية : الذين اتبعوهم بالإحسان . فأرجو أن يغفر لي بمحبتهم ، ويجعلني الله تعالى معهم ، وإن لم أبلغ شأوهم : في الأعمال ، والأفعال ، والأحوال . ورحمة الله أوسع ، ومن عباده العاصين أقرب ، وهو أرحم الراحمين ، وأكرم الأكرمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية