السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4774 باب : الأرواح جنود مجندة

ومثله (في النووي) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص185 ج16 ، المطبعة المصرية

(عن جعفر بن برقان : حدثنا يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة : بحديث يرفعه ؛ قال : "الناس معادن ، كمعادن الفضة والذهب ، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام -إذا فقهوا- والأرواح جنود مجندة ؛ فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف" ) .


(الشرح)

(عن أبي هريرة رضي الله عنه ، يرفعه ، قال : "الناس معادن ، [ ص: 95 ] كمعادن الفضة والذهب ؛ خيارهم في الجاهلية : خيارهم في الإسلام -إذا فقهوا-) سبق شرحه في الكتاب . في محله .

(والأرواح) التي يقوم بها الجسد ، وتكون بها الحياة : (جنود مجندة) .

قال العلماء : معناه : جموع مجتمعة ، وأنواع مختلفة .

(فما تعارف منها) أي : توافق في الصفات ، وتناسب في الأخلاق : (ائتلف . وما تناكر منها) . أي : لم يوافق ، ولم يناسب : (اختلف) .

المراد : الإخبار عن مبدأ كون الأرواح وتقدمها الأجساد . أي أنها خلقت أول خلقتها على قسمين ؛ من ائتلاف واختلاف ، إذا تقابلت وتواجهت .

ومعنى تعارفها : ما جعلها الله عليه من السعادة ، والشقاوة ،

[ ص: 96 ] والأخلاق ، في مبدأ الخلق . فإذا تلاقت الأجساد التي فيها الأرواح في الدنيا : ائتلفت على حسب ما خلقت عليه . ولذا ترى "الخير" يحب الأخيار ، ويميل إليهم ، "والشرير" يحب الأشرار ، ويميل إليهم .

ولفظ النووي : "تعارفها" هو لأمر جعلها الله عليه . وقيل : لأنها خلقت مجتمعة ، ثم فرقت في أجسادها . فمن وافق بشيمه ألفه . ومن باعده : نافر وخالفه .

ولفظ الطيبي : دل قوله "ما تعارف" : على تقدم اختلاط في الأزل ، ثم تفرق بعد ذلك في أزمنة متطاولة . ثم ائتلاف بعد التعارف . كمن فقد أنيسه وإلفه ، ثم اتصل به . وهذا التعارف إلهامات يقذفها الله في قلوب العباد من غير إشعار منهم بالسابقة .

وفي حديث ابن مسعود عند العسكري ، مرفوعا : "الأرواح جنود مجندة ، تلتقي فتشام كما تشام الخيل ؛ فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف" .

فلو أن رجلا مؤمنا ، جاء إلى مجلس فيه مائة منافق ، وليس فيه إلا مؤمن واحد لجاء حتى يجلس إليه . ولو أن منافقا جاء إلى مجلس فيه مائة مؤمن ، وليس فيه إلا منافق واحد لجاء حتى يجلس إليه .

وللديلمي بلا سند ، عن معاذ بن جبل ، مرفوعا : "لو أن رجلا مؤمنا ، [ ص: 97 ] دخل مدينة فيها ألف منافق ومؤمن واحد لشم روحه روح ذلك المؤمن" . وعكسه .

ولأبي نعيم في الحلية ، في ترجمة "أويس" : أنه لما اجتمع به هرم بن حيان العبدي ، ولم يكن لقيه ، وخاطبه "أويس" باسمه . قال له هرم : من أين عرفت اسمي واسم أبي ؟ فوالله ! ما رأيتك ، ولا رأيتني . قال : عرفت روحي روحك ، حين كلمت نفسي نفسك . وإن المؤمنين يتعارفون بروح الله ، وإن نأت بهم الدار .

قال بعضهم : أقرب القرب مودة القلوب وإن تباعدت الأجسام . وأبعد البعد : تنافر التداني .

ولبعضهم :


إن القلوب لأجناد مجندة قول الرسول فمن ذا فيه يختلف ؟     فما تعارف منها فهو مؤتلف
وما تناكر منها فهو مختلف



ولآخر :


بيني وبينك في المحبة نسبة     مستورة في سر هذا العالم
نحن الذين تحاببت أرواحنا     من قبل خلق الله طينة آدم



التالي السابق


الخدمات العلمية